ليسَ الحديثُ عن السُّمنةِ وما تتسبّبُ بهِ من أمراضٍ أمرًا بعيدًا عن السياسةِ والعمَلِ النضاليّ، وإذا كانَ مطلوبًا من الثائرِ أن يبقى محافِظًا على دورِهِ المبادِرِ والخلّاقِ فإنَّ القُدرةِ على استخدامِ العَقلِ بشكلٍ مُثمرٍ تتعطّلُ حينَ يضطرُّ الإنسانُ إلى تخصيصِ جُلِّ وقتِهِ وطاقتِهِ لما يُلمُّ بجسمِهِ من أمراضٍ، فالأولويّةُ تبقى دومًا للحفاظِ على الحياةِ واستمرارِها، وبعدَ ذلكَ يمكنُ للفردِ أنْ يهتمَّ بالقضايا العامةِ وبمواكبةِ العِلْمِ والحصولِ على المعرفةِ الضروريّةِ لتشكيلِ الرأي الخاصِّ بالإنسانِ، وهو الذي تُجمِعُ الآراءُ على كَونِهِ لبِنَةَ البناءِ الأولى والأهمَّ في بنيانِ المجتمعِ المعاصر. هذا لا يعني أنَّ المرضَ يلغي إمكانيّةَ قيامِ الإنسانِ بدورٍ يتناسبُ مع قدراتِهِ وطاقاتهِ، وإنما يعني ببساطةِ أنّ الواجبَ يقتضي أولويةَ درءِ المفاسدِ كلّما كان ذلكَ مُمكنًا، والمَرضُ مَفسَدةٌ يجبُ عملُ كلِّ ما يلزمُ لدرئها.

 

تكتسبُ الأمراضُ الملازمةُ لنَمَطِ الحياةِ العصريِّةِ والناتجةُ عنهُ بشكلٍ مباشرٍ أهميّةً متزايدةً بينَ العواملِ المتعدّدةِ التي تؤثّرُ بشكلٍ سلبيٍّ على ما يُسمّى بجودةِ الحياةِ Quality of Life، وهي "المسطرةُ" التي يستخدِمُها المُختصّونَ لقياسِ مدى تصالحِ الإنسانِ معَ ذاتِهِ ومع مُحيطهِ، ولتحديدِ مستوى ما يشعرُ بهِ منَ الأمانِ والرّاحةِ والرضى والتفاؤلِ.

 

لا شكَّ أنَّ الخَللَ المتزايدَ في الأنظمةِ الغذائيةِ للمجتمعاتِ المعاصرةِ هو السببُ الرئيسُ في انتشارِ أوبئةٍ كانتْ في الماضي محصورةً في حالاتٍ نادرةٍ، وأصبحت الآنَ تُشكّلُ آفاتٍ اجتماعيةً تتطلبُ مكافحتُها المزيدَ من المالِ والجهدِ والوقتِ. وتأتي السُّمنةُ في مقدّمةِ أمراضِ العصرِ ليسَ فقط لأنّها تحدُّ من حريّةِ المُصابِ بها في الحركةِ والتنقّلِ والاستفادةِ من مرافقِ الحياةِ اليوميّةِ البسيطةِ، بل وقبلَ كلِّ شيء لأنَّها تتسبّبُ في أمراضٍ خطيرةٍ كالسّكريِّ وارتفاعِ ضغطِ الدّمِ وتصلّبِ الشرايينِ وما ينتجُ عنهُ من أمراضِ القلبِ والدّماغِ، إضافةً إلى أمراضِ الكبدِ وغيرهِ من الأجهزةِ والأعضاءِ الحيويّةِ لانتظامِ عملِ الجسم.

 

تُعتَبرُ مقاومةُ مرضِ السُّمنةِ خطوةً أولى على طريقِ الحدِّ من تفشّي بقيةِ الأمراضِ المرتبطةِ به. ويحتلُّ النظامُ الغذائيُّ المتوازنُ أهميةً خاصّةً في الوقايةِ من هذا المرضِ، ولعلَّ من المفيدِ التذكيرُ بأهميّةِ زيادةِ الاعتمادِ في غذائنا اليوميِّ على الخضارِ والفاكهة والتقليلِ من الدُّهونِ الحيوانيّةِ والسّكريّاتِ بكلِّ أنواعِها. وفي المقابلِ يجبُ الحفاظُ على الحركةِ والنّشاطِ واللياقةِ البدنيّةِ المرتبطةِ بممارسةِ الرياضةِ السّهلةِ وغيرِ المُكْلفةِ كالمشيِ والجري والسباحةِ والألعابِ الفرديّةِ والجماعيّة. هذا لا يعني بالطّبعِ إهمالَ الجانبِ الطبيِّ وما يضمنُه من تشخيصِ أمراضِ العصرِ وتوفيرِ العلاجِ اللازم لها وبتكلفةٍ تكونُ في متناولِ الناسِ العادييّنَ دونَ أنْ تستهلكَ غالبيةَ دخلِهم. 

 

السُّمنةُ أساسُ معظمِ آفاتِ العَصْرِ، وهي مرضٌ دخيلٌ وطارئٌ في حياةِ الإنسانِ لم يَكُنْ يعرفُهُ عندما كانَ معتمِدًا في غذائهِ على المصادرِ الطبيعيّةِ وما تجودُ بهِ الأرضُ من خَيراتٍ، وعندما كانت الحركةُ الدّائمةُ رفيقَهُ الدّائمَ. وهنا يكْمنُ سِرُّ الحِكْمةِ في القَولِ المأثورِ: 

*العَقْلُ السَّليمُ في الجِسْمِ السَّليم

 

٣٠-٨-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان