تفتحُ المدارسُ في فلسطينَ أبوابَها لتستَقْبلَ طَلَبَةَ العِلْمِ في أولِّ أيامِ العامِ الدراسيِّ الجديد. وهو بالنّسبةِ لغالبيةِ التلاميذِ واحدٌ منْ أعوامِ الدّراسةِ التي اعتادوا عليها خلالَ رحلتِهم الطويلةِ في طَلبِ العِلمِ، لكن هناكَ تلاميذٌ تخفقُ قلوبُهم بشكلٍ أسرعَ من غيرِهِم، جزءٌ منهم لأنَّ هذا هو العامُ الأخيرُ على مقاعدِ المَدرَسةِ سينتهي بامتحانِ "الإنجازِ" وفرحةِ الانتقالِ إلى آفاقِ التعليمِ العالي ومواجهةِ تحدّياتِ الحياةِ اليوميّةِ، بكلِّ ما فيها من تفاؤلٍ بتحقيقِ الآمالِ الشخصيّةِ والعائليّةِ. أمّا الجزءُ الآخرُ فهو تلاميذُ الصفِّ الأوّلِ في رحلةِ المدرسةِ الطويلةِ. مَنْ مِنّا لا يذكُرُ هذا اليومَ؟ عالمٌ جديدٌ يَفتحُ ذراعَيْهِ أمامَ الأطفالِ الذاهبينَ بفَخرٍ إلى مدارسِهم للمرّةِ الأولى مُمسكينَ بأيادي آبائهم وأمّهاتِهم، يلبسونَ أجملَ ما استطاعَ الوالدانِ شراءهُ منْ ملابسَ بعدَ أنْ وَجدوا طريقةً للتّحايُلِ على "العجزِ في موازنةِ العائلة". هؤلاءُ الصّغارُ الذينَ يدقّونَ الأرضَ بأحذيتِهم الجديدةِ ويتقدّمونَ بخطواتٍ صغيرةٍ نحو مقاعدِ الدراسةِ، هُم سِرُّ الأملِ بمُستقبلٍ أكثرَ إشراقًا وفرحًا، وهم رمزُ رسالةِ المَدْرَسةِ وعنوانُ قُدرتِها على تَربيةِ وتعليمِ الأجيالِ المتعاقبةِ في عمليّةٍ لا تنقطعُ أبدًا، بكلِّ ما فيها منْ جمالِ صَقْلِ المواهبِ وإثراءِ كنوزِ المعرفةِ وإعدادِ التلاميذِ للمُستقبل.

 

لا معنى ولا وجودَ ولا دَورَ للمَدْرَسةِ بدونِ عَمودِها الرئيسِ -المعلّمِ، وهو الإنسانُ- القدوةُ الذي أوليناهُ كأفرادٍ وكمُجتَمعٍ أمانةَ العنايةِ بأطفالِنا وتزويدِهم بأصولِ العلومِ والمعارِفِ بكلِّ أصنافِها. وفي حياةِ كلِّ واحدٍ منّا اسمٌ لمُعلّمٍ أو أكثرَ، تذهبُ الأسماءُ كلُّها في "طاحونةِ الزّمنِ" إلّا أسماءَهم، فهي محفورةٌ على ألواحِ الذاكرةِ بطباشيرَ لا تُمحى كتابتُها أبدًا. المُعلّمُ هو الإنسانُ الوحيدُ الذي نوكلُ إليهِ مسؤوليةَ رعايةِ أطفالِنا، ونثقُ أنّهُ سيقومُ بمهمّتهِ على أكْملِ وَجهٍ، وهذا ما يَجعلُ من مِهنةِ المُعلّمِ (وهو تعبيرٌ أدقُّ وأرقى من تعبيرِ "المُدَرّس") مهنةً تحتلُّ المكانةَ الأكثرَ أهميّةً في حياةِ الشُّعوبِ والأمَمِ. ورغمَ الإدراكِ العامِّ لأهميّةِ هذهِ المهنةِ فإنَّها لا تحظى بما يليقُ بها من الاهتمامِ وخاصّةً منَ الناحيةِ الماديّةِ، وهي ظاهرةٌ تكادُ أن تشملَ كلَّ دُوَلِ العالَم، رغمَ إجْماعِها على أنّ المُعلّمَ "كادَ أنْ يكونَ رَسُولا".

 

يُدركُ أعداءُ شعبِنا أهميّةَ الدّورِ الذي تقومُ بهِ المَدْرَسةُ الفلسطينيّةُ في تشكيلِ الوعيِ الوطنيِّ وتَنميةِ حُبِّ التلاميذِ للوَطنِ والتمسُّكِ بالرّوايةِ التاريخيّةِ التي تحافِظُ على علاقتِنا بهِ وصُمودِنا فوقَ أرضِهِ رغمَ أنْفِ الاحتلالِ. مِنْ هنا تأتي الحَملاتُ المتكرّرةُ الهادفةُ إلى التأثيرِ على مُحتوى المناهجِ الدّراسيَةِ في مراحلِ التعليمِ المختَلفةِ، هذهِ الحَملاتِ التي تهدفُ إلى تجريدِ التلاميذِ من هويّتهم وسلْبِ المدْرَسةِ دورَها الرائدَ كأداةٍ رئيسةٍ منْ أدواتِ حمايةِ الذّاكرةِ الفلسطينيّةِ والمساهمةِ في شَرفِ الحفاظِ على اتّجاهِ البوصلةِ في مَسيرتِنا نحوَ إنجازِ المَشروعِ الوطنيِّ الفلسطينيّ. 

 

*معَ بدايةِ العامِ الدّراسيّ الجديدِ نَنْحني إكبارًا واحترامًا للمُعَلّمِ الفلسطينيِّ، ونتمنّى لتلاميذِنا عامًا دراسيًّا غنيًّا بالعِلمِ والمَعرفةِ وحُبِّ فلسطين، ونسألُ اللهَ الرّحمةَ لأرواحِ شُهدائنا جميعًا وفي الصّدارةِ منهم الشّهداءُ الأطفالُ، الذينَ لنْ يذهبُوا اليومَ برفقةِ أتْرابِهم إلى المَدْرَسةِ، لكنَّ مقاعِدَهُم ستبقى موشّحةً بالكُوفيّةِ وبِعَلَمِ فلسطين. 

 

٢٥-٨-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان