خاص مجلّة القدس العدد 355| حوار: وسام خليفة
  احتلَّ قرار القيادة الفلسطينية الأخير وقفَ العمل بالاتفاقيات الموقَّعة مع الجانب الإسرائيلي صدارةَ التطورات في المنطقة، في الوقت الذي تتسارع فيه حدّة الحرب الإسرائيلية على كلِّ ما هو فلسطيني، وكان آخر معالمها إقدام قوات الاحتلال على هدم وحدات سكنية فلسطينية في واد الحمص المصنّف تحت السيطرة الفلسطينية حسب اتفاق أوسلو، بالتوازي مع المساعي الصهيوأمريكية المحمومة لتحويل صفقة القرن إلى أمر واقع تارةً بالترغيب وأخرى بالضغط والترهيب. وللوقوف على تفاصيل هذه القضايا وغيرها من التطورات أجرت مجلة "القدس" الحوار التالي مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" د.صبري صيدم.

برأيكَ لماذا جاء قرار القيادة الفلسطينية بإنهاء العمل بالاتفاقيات الموقَّعة مع الجانب الإسرائيلي اليوم؟
إنَّ تعامل القيادة الفلسطينية مع الملف الإسرائيلي يتَّسم بحكمة كبيرة. فالبعض كان يأخذ على القيادة أنَّها تتأخَّر في موقفها، لكنَّ هدفها من ذلك كان أن تُثبِت للعالم أنَّ الجانب الإسرائيلي هو مَن يرفض الانصياع لقرارات الشرعية الدولية، ويُصادر الحقوق الإنسانية، وينتهك كلِّ الاتفاقات. وقد شهدنا الاعتداء الأخير على أهلنا في حي "واد الحمص" في القدس المحتلّة، وهو يقع في منطقة "أ"، أي تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وبالتالي هذا الاعتداء أظهر بكلِّ وضوح أنَّ (إسرائيل) لم تعد تلتزم بالتصنيفات المبنيّة على اتفاقية أوسلو (التي كانت تحمل الصفة الانتقالية إلى أن نصل إلى الصيغة النهائية لحلِّ الصراع)، وتتنصَّل من أيِّ اتفاق سياسي أبرمته مع السلطة كحلِّ الدولتين وحق العودة والقدس وموضوع السيادة الفلسطينية. لذا بدأ الرئيس محمود عبّاس في اجتماع القيادة الأخير خطوات عملية لإيصال الرسالة إلى (إسرائيل) بأنَّ الموضوع لم يعد يحتمل المناورة بعد أن باتت الاتفاقيات المبرَمة في مهبِّ الريح مع انتهاك (إسرائيل) المستمر لها، علمًا أنَّ كثيرًا من الأصوات الداخلية، ومن بينها أصوات من حركة "فتح"، كانت ترفض هذه الاتفاقات وتنادي بمُراجعتها، مثل بروتوكول باريس الاقتصادي الناظِم لعلاقتنا الاقتصادية مع الاحتلال، واتّفاق معبر رفح المرتبط بطريقة إدارة المعبر من حيثُ تنقُّل المواطنين عبره وإشراف أطراف أوروبية عليه، وغيرها من الاتفاقيّات التي تمسُّ عصبَ الحياة وتؤثِّر على واقع الاحتلال وعلى الشعب الفلسطيني، ولكنَّنا الآن في مرحلة العض على الأصابع، ومن المهم أن تشعر (إسرائيل) أنّها دُفِعَت نحو الزاوية.

كيف تُقيِّم نتائج ورشة البحرين؟ وما هي دلالة إقامة الورشة في دولة عربية وبحضور عربي؟
الورشة ماتت، ومَن يريد إبقاءَها على قيد الحياة هي الجهة المأزومة التي أشرفت عليها، وبعض العرب المُطبِّعين الخائفين من فزّاعة إيران التي تُلاعبهم بها أمريكا و(إسرائيل) لإبقائهم بحاجة العم سام ولصفقات السلاح الضخمة وللتودُّد لـ(إسرائيل) لتساعدهم، حتّى باتت المعادلة هي التحالف مع (إسرائيل) ضدّ إيران، وهذا الموضوع لم يكن في محطِّ مقارنة قبل ذلك في الشارع العربي، وما زال بالنسبة للشارع العربي الذي بقي واقفًا مع فلسطين مرفوضًا، وليس من موافِق على هذا الطرح سوى فئة قليلة تريد الحفاظ على عروشها ومصالحها. فما يجري الآن في المنطقة هو إعادة لترتيب الأوراق بعد الربيع العربي، حيثُ نرى أنَّ الجيوش العربية حاليًّا قد وهنت، فيما زادت أطراف أخرى من قوّتها مثل إيران وتركيا و(إسرائيل). ومن هنا بدأت المفاضلة عند العرب حول أي حلف سيختارون للحفاظ على مصالحهم، فجاءت فرصة ترامب للاستفراد بالقادة العرب، وأراد إحراجهم إذ وجدوا أنفسهم بين إيران و(إسرائيل) فاختاروا الحلف الإسرائيلي لإرضاء الأمريكان ولقناعة البعض بأنَّ إيران هي العدو الأكبر وليست (إسرائيل)، علمًا أنَّ ما يجري من تضخيمٍ للأزمة مع إيران هو مجرد طحن للماء! فلن تجري أيّ حرب، بل هي فقط عملية تخويف للعرب لشراء السلاح وإعادة رسم خارطة التحالفات. ومَن راقب مؤتمر المنامة لاحظ ضعف مستوى التمثيل وعدم وجود شخصيات سياسيّة واقتصادية مهمة وباستثناء كوشنير الذي تحدث في البداية والنهاية وفي المنتصف، كانت الورشة مجرّد مجموعة من الهرطقات. هناك مَن اتّهمنا بأنّنا أفشلنا ورشة البحرين، وهنا أُسجِّل أنّنا نفخر بإفشال ورشة البحرين، وعلى العالم أن يعلم أنّ العنصر الأساسي في هذه القضية هُم الفلسطينيون، وأنّه لا حلَّ بدونهم، فبعد مئة سنة من الصراع ما زال شعبنا العظيم يقاوم ويُصرُّ على حقِّ العودة وثوابته.
 

هل ترى حلّاً قريبًا للأزمة المالية التي تمرُّ بها السلطة الفلسطينية؟
حاليًّا لستُ جزءًا من الحكومة الفلسطينية، لكنَّني أشعر بتعاطف كبير إزاء ما تمرُّ به. فهذا الوضع مفروض على الشعب الفلسطيني كجزء من الحرب المفروضة عليه، وبالطبع الموقف ليس سهلاً، وهو معقَّد لكنَّ الحكومة تتعامل معه بفعالية، وأنا آملُ أن نخرج من مرحلة عضِّ الأصابع منتصرين طبعًا.
ولكن لا بدَّ من أن نؤكِّد أنَّ ما نُعوِّل عليه ليس المال، فالمال يأتي ويذهب، وقد عشنا أكثر من أزمة مشابهة، بَيْدَ أنَّ الأهم هو تماسكنا وثباتنا على ثوابتنا، فلا مساومة على حقوق الأسرى وأهالي الشهداء، وهذا ما قالته السلطة الفلسطينية علنًا للعالم، وهي تدفع ثمن ذلك الآن بالحرب الاقتصادية عليها. بالطبع هناك جهد جبّار لتجاوز الأزمة، ولكن ما لم تُحَل، فإنَّ السلطة الفلسطينية قد ينتهي دورها كونها لن تكون قادرة على توفير ما تلتزم به تجاه الشعب.

البعض يقول إنَّ تنفيذ صفقة القرن جارٍ على الأرض، فيما يرى آخرون أنّها انتهت بمجرَّد رفض الفلسطينيين لها، ما هي وجهة نظرك؟
سبقت صفقة القرن محاولات كثيرة لتصفية قضيّتنا الفلسطينية، لكنَّ الفرق بينها وبين سابقاتها أنَّ (إسرائيل) وأمريكا بدأتا بتطبيق هذه الصفقة قبل عرضها على العالم، وكانت البداية بإعلان أمريكا القدس عاصمةً لـ(إسرائيل) وضمِّ الجولان لدولة الاحتلال، والحديث عن إسقاط حقِّ العودة ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس والحرب المالية على السلطة الفلسطينية وإحكام الحصار عليها، وهي كلّها جزء من صفقة القرن. وبالتالي، هُم يحاولون فرض الأمر الواقع علينا، ولكنّهم يجهلون أنَّ هذا الشعب الفلسطيني الجبّار من المستحيل أن تفرض عليه شيئًا لا يقبله أو أن تحاول شراءه بتوفير التصاريح وتحسين الوضع الاقتصادي، لأنَّ الشعب الفلسطيني لم يصمد ويقاتل كلّ هذه السنوات ليتنازل الآن عن ثوابته ودولته بسبب الضغط أو إغرائه بالمال.

إلى أين تسير الأمور بالنسبة للفلسطينيين حاليًّا في خضم كلِّ الظروف الراهنة؟
الوضع يسير إلى مرحلة معقَّدة أكثر، ونحن نحاول أن نكون إيجابيين، لكنَّ الحصار يشتد، والحرب تزداد وطأتها علينا، وهذا ما كان واضحًا مؤخّرًا في أحداث واد الحمص التي حاولت (إسرائيل) من خلالها أن تقول إنَّها هي مَن يتحكّم بالمصير الفلسطيني، ممّا يدل على أنَّ الأمور ستتعقَّد أكثر.
لذلك، نحنُ اليوم أحوج ما نكون إلى وحدة الصف الفلسطيني وإنهاء ملف المصالحة لنواجه الحرب علينا، ولكن للأسف، موضوع المصالحة يتأرجح. ففي يوم نقول إنَّ الحلَّ بات قريبًا وفي يوم آخر تتعقَّد الأمور، وأنا شخصيًّا أُشجِّع سيادة الرئيس أبو مازن على الذهاب إلى غزّة لحلِّ الإشكال. أعرف أنّها فكرة قد تبدو مجنونة، لا سيّما بعد العديد من الاتفاقات التي وُقِّعَت ولم تُطبَّق، لكنَّ ذهابه إلى غزّة سيكون مهمًّا على أكثر من صعيد. فإذا رفضت "حماس" قدومه هنا يظهر للفلسطينيين مَن الطرف الذي يرفض الحل، وإذا رفضت (إسرائيل) ذهابه إلى غزّة يثبُت الخوف الإسرائيلي من إتمام المصالحة، وقد يكون ذلك دافعًا أيضًا لإنجازها بشكل سريع. أمّا إذا دخل غزّة فهنا ستجد مشهدًا مهمًّا سيساهم في إنجاز المصالحة.

كيف تقرأ تغريم (إسرائيل) للسلطة مبلغ مليار شيكل باعتبارها داعمةً للإرهاب في الانتفاضة الثانية؟
لن يكون هذا القرار الأخير، فالمجنون يبحث دائمًا في ملفاته، وأتوقَّع إجراءات أخرى مشابهة. ومن هنا أُذكِّر بصرخة الرئيس الأخيرة في اجتماع القيادة عندما قال إنَّ كلَّ مَن تأذّى من الاحتلال عليه رفع دعوى ضدَّ (إسرائيل)، فلا يفلُّ الحديد إلّا الحديد. ولا يعقل أن نبقى نتلقّى ما يسمَّى بالدعاوى المجنونة تارةً من أمريكا وتارة أخرى من (إسرائيل)، ونرضى بإرغام الشعب الفلسطيني على الدفع، والمال سيكون من أموال المقاصة. إذا كان الهدف جعل السلطة تنهار نقول لهم إنَّ مفاتيحنا جاهزة.

كيف تُقيِّم الموقف الدولي من صفقة القرن؟
بحسب المواقف المُعلَنة يبدو موقف الدول متماسكًا في رفض الصفقة، فكثير منها ما زالت تنادي بتطبيق قرارات الشرعية الدولية التي هي في صالح الفلسطينيين، لكن ما وراء ذلك هناك تخوُّف كبير من الدول تجاه الولايات المتحدة، وكأنَّهم يتجنَّبون الحديث في الموضوع كي لا تغضب أمريكا. لذا أعتقدُ أنَّ مواقف الدول خجولة، فهي تقول إنّها تؤيّد قرارات الشرعية الدولية، لكنّها لا تحرّك ساكنًا لتفعيلها.