سننظر وبروح التطلُّع والتنوُّر، إلى تصريحات مرشّح الرئاسة الأميركية، عن الحزب الديمقراطي، بيرني ساندرز، باحترام شديد، وباهتمام تستحقه دون أدنى شك، لا لأنَّ صوتًا أميركيًّا على هذه المستوى، وبمثل هذه النزاهة، هو الصوت الذي يصادق على حقيقة المظلمة الفلسطينية الكبرى، ويقول بضرورة تسويتها العادلة فحسب، وإنَّما ولأنّه أيضًا الصوت الذي يناهض على هذا النحو أو ذاك، أقاويل الرئيس الأميركي دونلاد ترامب العنصرية، وسياساته الصهيونية التي أطاحت وبوقاحة لا مثيل لها، بكل قِيَم النزاهة والموضوعية السياسية والأخلاقية، لا في حربه ضد القضية الفلسطينية فقط، بل وضد قضايا الحرية والعدل والسلام في العالم جمع كذلك.
ومرة أخرى نقول ونؤكِّد أنَّ فلسطين بواقعية نضالات شعبها وتضحياته العظيمة، وبقرارها الوطني المستقل، وبمصداقية خطابها الإنساني، وسياسات قيادتها الشرعية الساعية لإقرار السلام العادل في الشرق الأوسط، طبقًا لمرجعيات وقرارات الشرعية الدولية، هي فلسطين التي تجعل من صوت الحقيقة والحق ممكنا على الدوام، فلو كنا دون هذا الخطاب، وبلا نضال وتضحيات، وبلا قرار وطني مستقل، لكنا نسيا منسيا، وفي أحسن الأحوال لبقينا مجرد لاجئين ننتظر عين الشفقة أن تتكرَّم علينا بمزيد من أكياس الطحين، ولبقي مَن ظلَّ صامدًا في أرض الوطن ينتظر حقوقًا مدنية، تظلُّ منقوصة أبدًا، طالما يظل الاحتلال، وطالما تغيب حقوقه السياسية والوطنية المشروعة، وهو الأمر الذي أراده وعد بلفور المشؤوم، وتريده اليوم صفقة ترامب الصهيونية!!!
لا مناص من رؤية تصريحات المرشح الأميركي ساندرز التي قال فيها وبمنتهى الوضوح "لا يمكن السكوت على الظلم الذي يتعرَّض له الشعب الفلسطيني" إلّا في سياق ما تحقِّق فلسطين من حضور فاعل في الساحة الدولية، وفي الضمير الإنساني الذي بات يتفلَّت لمواقف أكثر شجاعة لنصرة القضية الفلسطينية وعلى نحو ما نرى من حركة التاريخ، فإنَّ فلسطين بمعناها السياسي والحقوقي والإنساني، وبفعلها النضالي، وصمود أهلها الأسطوري، وسياسات قيادتها الشرعية الشجاعة والحكيمة، هي التي تواصل شروقها، فيما الاحتلال الإسرائيلي إلى غروب حتمي.
ليست هي مجرد كلمات قالها ساندرز، إنَّها موقف بالغ الشجاعة، وبالغ الأهمية في رؤيته الإنسانية والسياسية، المناهضة للرؤية الصهيونية، وهذا ما قد يشكِّل مخاطر انتخابية لساندرز، إن صحَّ التعبير، ومن هنا تتجلَّى شجاعة هذا الموقف وأهميته.
ما نتطلع إليه هو أن نبني على هذا الموقف بغض النظر عن نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة ولا نتوهَّم مطلقًا استحالة هذا البناء، بل إنّه وبالسياسات الحكيمة للشرعية الفلسطينية، الوطنية والدستورية والنضالية، وبمصداقية خطابها الإنساني فإنَّ هذا البناء يظلُّ ممكنًا، بل ومهمة وطنية كضرورة حرية.
مع ساندرز نتطلَّع أن تكون أميركا مثلما تريد قضايا العدل والحرية والسلام في هذا العالم، وبالنزاهة أن تكون راعيةً لنُصرة هذه القضايا، جنبًا إلى جنب مع مختلف مكونات وقوى المجتمع الدولي، ليصبح الأمن والاستقرار والسلام حقيقة كونية وليكون الازدهار مستقبل البشرية جمعاء، حين التبادل المنتج للمصالح المشروعة وحين تنمية هذه المصالح وترقيتها على أُسُس النزاهة والاحترام المتبادل وهذا ما تريده فلسطين وما تسعى إلى تحقيقه تمامًا.