العَداءُ الصهيونيُّ للمقدّساتِ الإسلاميّةِ والمسيحيّةِ في القُدسِ ليسَ بالأمرِ الطارئ، فهوَ سلسلةٌ لا تنقَطعُ من الجرائمِ المنظّمةِ منذُ أنْ وقَعت المدينةُ المقدّسةُ في قَبضةِ الاحتلالِ الاستيطانيِّ بعدَ حربِ حزيران/يونيو عامَ ١٩٦٧، وصولاً إلى الإعتداءِ على المُصلّينَ في أوّلِ أيامِ عيدِ الأضحى المُباركِ قبْلَ عشرةِ أيّام. وعلى الرّغمِ من إدمانِ دَولةِ الاحتلالِ على انتهاكِ حُرمَةِ الأماكِنِ المقدّسةِ ومَنْ يَعمُرُها منَ المُصلّينَ والحُرّاسِ والهيئاتِ الدينيّةِ، فإنَّ جريمةَ إشعالِ الحريقِ في المَسجدِ الأقصى قبلَ خمسينَ عاماً قد شكّلَتْ منعطَفًا خطيرًا في محاولاتِ التخلّصِ منْ هذا المَسجدِ بما يُمثّلهُ منْ رَمزٍ دينيٍّ ووطنيٍّ وواحدٍ من أهمِّ كنوزِ الحضارةِ والترّاثِ الإنسانيّ.

 

لمْ يكُن المُجرِمُ الأستراليُّ دينيس روهان الذي أُلصِقَتْ بهِ تُهمةُ إشعالِ الحريقِ سوى واجهةٍ وأداةٍ تمَّ التستّرُ خلفَها لإخفاءِ بَصَماتِ المُجرِمِ الحقيقيِّ الذي تسبّبَ بالجريمةِ بشكلٍ مباشرٍ، وهو الفكرُ الصّهيونيُّ العنصريُّ الذي يُسيّرُ دولةَ الاحتلالِ في كلِّ مفاصِلها. فقدٌ قطَعتْ سُلطةُ الاحتلالِ المياهَ عنْ مُحيطِ الأقصى قبْلَ الجريمةِ بقليلٍ، وتلكّأت إطفائيّاتُهُ في الوُصولِ إلى مكانِ الجريمةِ لإطفاءِ الحريق. وهنا لا بدَّ من الانحناءِ أمامَ المقدسيّينَ الذينَ سارَعوا إلى إنقاذِ الأقصى ونقَلوا المياهَ بالدِّلاءِ والأواني المنزليّةِ، وحَالوا دونَ امتدادِ النّيرانِ إلى بقيّةِ أنحاءِ المسجدِ.

 

لقدْ لفّقَت إسرائيلُ التُّهمةَ بالمسؤوليةِ عن جريمةِ حريقِ الأقصى بالمُواطنٍ الأستراليِّ واتّهَمَتْهُ بالجُنونِ، لكنَّ الحقيقةَ التي أدركَها شعبُنا منذُ بدايةِ الاحتلالِ أنَّ الأقصى مُستهدَفٌ بشكلٍ مباشرٍ لِما يشكّلُهُ منْ عقبَةٍ كأداءَ أمامَ الرّواياتِ الصّهيونيّةِ الواهيةِ، وفي مُقدّمتِها تلكَ الأكاذيبُ المتعلّقةُ بالهيكلِ المزعومِ. لقد عاثَت إسرائيلُ في القُدسِ فسادًا وتَخريبًا ولم تتوقّفْ لحظةً عن البحثِ بينَ حِجارةِ المدينةِ وتحتَ أسوارِها عنْ أيّ دليلٍ يُثْبِتُ صحّةَ أوْهامِها، ورغمَ كلِّ ما قامت بهِ منْ حفرياتٍ تهدّدُ سلامةَ المَسجدِ الأقصى فإنَّها لمْ تعثُر سوى على مزيدٍ من الخيبةِ والفشل، فلا حقيقةَ تُخفيها أسوارُ القدسِ وأزقّتُها وأنفاقُها سوى حقيقةٍ واحدةٍ، وهيَ أنَّ القُدسَ عاصمةُ فلسطينَ، هذهِ هي الرّسالةُ التي يؤكّدُها الأقصى والمرابطونَ حولَه. ولم تتأثّر هذه الحقيقةُ بجريمةِ إشعالِ الحريقِ فيه في الحادي والعشرينَ من آب/ أغسطس سنة ١٩٦٩، تَماماً مِثلما صَمدَت القُدسُ وأقصاها أمامَ سياسةِ التهويدِ ومحاولاتِ فرْضِ البوّاباتِ الإلكترونيّةِ، ومثلما لمْ تَنَلْ منها جريمةُ التطهيرِ العرقيِّ وهدْمِ البيوتِ في واد الحمص، ولا اعتداءاتُ المستوطنينَ وجنودِ الاحتلالِ على حُرْمةِ المسجدِ والكنيسةِ والمؤمنينَ أصحابِ هذهِ الأرضِ منذُ فجرِ التاريخ.

 

 كانَ حَريقُ المَسجِدِ الأقصى السّببَ المباشِرَ لإنشاءِ منظّمةِ المؤتمرِ الإسلاميّ المعروفةِ حاليًّا بِاسمِ منظمةِ التعاونِ الإسلاميّ، لكنَّ الأمّةَ الآنَ لا تُحرّكُ ساكنًا أمامَ الجرائمِ اليوميّةِ التي يرتكبُها الاحتلالُ بحقّ القدسِ والأقصى، ولا تقومُ بأبسَطِ أشكالِ الاحتجاجِ ضدَّ الإدارةِ الأمريكيّةِ عندما تقومُ هذهِ الإدارةُ بالاعتداءِ على حقوقِ الأمّةِ وكرامتِها وتعترفُ بالقُدسِ عاصمةً للدّولةِ الصهيونيّةِ. وَحدَهُ شعبُ فلسطينَ لمْ تهُنْ عزيمَتُهُ ولمْ يتقاعسْ لحظةً عن تلبيةِ نداءِ القُدسِ، وما زالَ وفيًّا لرسالتِهِ بالرّباطِ والدفاعِ عن عاصمتِهِ الأبديّة.

 

*للقُدسِْ رَبٌّ يَحْميها بِسَواعِدِ أبنائها

 

٢١-٨-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان