لم يكن الأسر يومًا حاجزًا أمامه، فبقامته الشامخة وقف واثقًا أمام مدرَّعات الاحتلال، وبذات الشموخ تصلَّب على طول السنين التي انقضت أمام جبروته، ليُصبح معلِّمًا صابرًا، علَّم الأجيال أنَّ المعتقل أصغر من أحلامه، فكانت التضحية قلمه، أمّا مفارقته القسرية لأهله فجعل منها لوحًا كتب عليه يوميًّا قصصًا وبطولات ما زالت تعيش في وجدان كلِّ حُرٍّ مقاوم.
هو الأسير فؤاد الشوبكي، رمزٌ من الرموز الوطنيّة التي لا تغيب عن الأذهان، وأكبر الأسرى سنًّا في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي عن عمرٍ يناهز الثمانين عامًا، حيثُ يمضي منذُ العام 2006 حكمًا بالسجن مدّة 20 عامًا.

نشأته وانخراطه في العمل النضالي
ينحدر الأسير فؤاد الشوبكي "أبو حازم" من مدينة غزّة، وهو من مواليد العام ١٩٤٠. تزوَّج من السيدة الفاضلة دلال الشوبكي التي وافتها المنية بتاريخ 10/1/2011م، ورُزِق منها بستة أبناء (ابنان و4 بنات).
حصل الشوبكي على إجازة في المحاسبة من جامعة القاهرة، والتحق بصفوف الثورة الفلسطينية منذ ريعان شبابه، فشارك في كلِّ معارك الثورة في الأردن ولبنان، ثُمّ غادر إلى تونس، وكان عضوًا في المجلس الثوري لحركة "فتح"، وفي العام 1995 تولَّى مهمة مدير الإدارة المالية العسكرية إلى جانب الرئيس الرمز ياسر عرفات.
نفّذ اللواء فؤاد الشوبكي العديد من العمليات البطولية وخطَّط لأخرى، من أبرزها عملية سفينة "كارين A" عام 2002، التي كانت مُتّجهةً إلى الأراضي المحتلة مُحمّلةً بنحو 50 طنًّا من الأسلحة المتنوعة، لكنَّ الاحتلال الإسرائيلي كشف أمرها، وعلى أثر ذلك اتَّهم الشوبكي بالوقوف خلف العملية وبتمويل الانتفاضة وتسليحها.
ساقته قوات الاحتلال إلى مُعتقلات "الشاباك" في العام 2006، ليتنقَّل بعد ذلك بين معتقلات النقب، وعسقلان، والرملة، وعوفر، وبئر السبع.

معاناته مع الاعتقال والمرض
على مدى سنوات الاعتقال تدهورت الحالة الصحية للأسير فؤاد الشوبكي بشدّة، لا سيما بعد إصابته بسرطان البروستات، ما استدعى نقله بصورة ملحّة إلى المستشفى.
وفي تعليقٍ على مرض والده ومعاناته في الأسر قال نجله حازم: "والدي يعاني من سرطان البروستات، وإذا لم يُعالج في أسرع وقت سينتشر المرض في أنحاء جسمه".
وأضاف: "سلطات الاحتلال تسمح للعائلة بزيارة والدي مرة واحدة في الشهر، ولكنَّ إجراءات الوصول إلى سجن النقب تستغرق نحو 14 ساعة، حيثُ نتعرّض للتفتيش عدّة مرات من قِبَل الحواجز الإسرائيلية قبل الوصول إليه".
وبعد تقديم أكثر من طلب استئناف بخصوص ظروفه الصحية الصعبة، خُفّضَ الحكم من ٢٠ عامًا إلى ١٧ عامًا، قضى منها الشوبكي ١٣ عامًا، إلّا أنَّ الحالة الحرجة التي وصل إليها الأسير تتطلَّب من جميع المؤسسات والهيئات الدولية، وخاصةً منظمة الصحة العالمية، التدخُّل العاجل لإنقاذ حياته، وللإفراج عنه بأسرع وقت، وتقديم العلاج اللازم له خارج المعتقل قبل أن تتدهور حالته الصحية نتيجة الإهمال الطبي من قِبَل إدارة المعتقلات.
يُذكر أنَّ اللواء الشوبكي خضع مؤخّرًا لعملية جراحيّة مستعجلَة في عينيه في مستشفى سوروكا ببئر السبع، حيثُ نُقِلَ بواسطة البوسطة وهو مقيّد اليدين والرجلين، كما أفادت ابنته رانية الشوبكي، على الرغم من أوجاعه ووضعه الصحي.

برغم ما يمرُّ به اليوم اللواء الشوبكي من ظلم ومعاناة وإهمال صحي ما زال متمسِّكًا بجرعة من الأمل تبقيه على قيد الحياة وتزيده حُبًّا وإيمانًا بالوطن والقضية، مثله كمثل المقاومين الشرفاء الذين يتركون بصماتهم الوطنيّة في الأرجاء كافّةً رغم غطرسة الاحتلال وكلِّ قيوده.

تقرير: نجيّة شحادة