لم نكنْ بحاجة إلى برهان جديد لنكتشفَ أنَّ (إسرائيل) ليست دولةً ديمقراطية، فهذا الكيان تمَّ تأسيسه انطلاقًا من قرار استعماري عُنصري هو وعد بلفور، الذي نفى وجود الشعب الفلسطيني وبالمقابل اخترع على أنقاضه شعبًا آخر، قال إنَّه الشعبُ اليهودي. و(إسرائيل) باعتبارها دولة تحتلُّ أرضَ شعبٍ آخر لا يمكن أن تُصنَّف أنَّها ديمقراطية، لذلك لم نندهش عندما منعت (إسرائيل) دخول عضوتَي الكونغرس الأميركي رشيدة طليب وإلهان عمر إليه، ووضعت شروطًا صارمةً لدخولهما.
المدهش في الأمر هو موقفُ الإدارة الأميركية، وبالتحديد رئيسها ترامب، الذي دعا هو شخصيًّا (إسرائيل) لمنع عضوتي الكونغرس، وقال: "(إسرائيل) ستبدو ضعيفةً إن هي سمحت بدخول رشيدة وإلهان إليها".
سفير ترامب فريدمان جاء موقفه مطابقًا لصهيونيته وعنصريّته، فبدل أن يدين ويستنكر قرار المنع الإسرائيلي لعضوتي الكونغرس، برَّر القرار ودعمه وهاجم رشيدة وإلهان باعتبارهما ناشطتَين في حملة المقاطعة ضد (إسرائيل) التي تهدف إلى نزع الشرعية عن (إسرائيل) كما قال.
الجميع يدرك أنَّ الديمقراطية الأميركية هي ديمقراطية الأغنياء، أصحاب الثروات، ولكن أن تكون ديمقراطية عنصرية بهذه الوقاحة فهذا الوجه الذي أماط عنه ترامب وإدارته اللّثام. فالديمقراطية الأميركية في زمن ترامب ممرّغة بوحل العنصرية.
السؤال المهم لماذا هذا الإصرار الذي يجمع عليه ترامب ونتنياهو في منع رشيدة وإلهان من دخول (إسرائيل) والقدس تحديدًا؟
هناك عدّة أسباب منها ما هو ذو طابع استراتيجي يتعلَّق بالرواية والمشروع الصهيوني القائم على أساسها وهناك أسباب عنصرية وانتخابية لكلٍّ من نتنياهو وترامب. أن تأتي لـ(إسرائيل) نائبان في الكونغرس يتحدَّثن للمرة الأولى للرأي العام الأميركي والعالمي عن رواية أخرى غير الرواية الصهيونية هو أمرٌ في غاية الخطورة، وخصوصًا أن يرى ويسمع الرأي العام الأميركي الرواية الفلسطينية صاحبةَ الحقِّ التاريخي في هذه البلاد، ولفت نظر الشعب الأميركي أنَّ هناك احتلالاً إسرائيليًّا للقدس ومقدساتها المسيحية والإسلامية هو أمر يناهض تمامًا إعلان القدس عاصمةَ الشعب اليهودي الأبدية.
إنَّ ما يريده ترامب ونتنياهو هو أن يبقى العقل الأميركي خصوصًا، والغربي عمومًا يتمحور حول منطق وعد بلفور والرواية الصهيونية الاستعمارية. والدليل أنَّ رشيدة إذا أرادت أن تقتصر زيارتها لجدتها في قرية بيت عور الفوقا غرب رام الله وضمن الشرط الإنساني فقط فهو أمر مسموح. يُذكِّرُنا هذا الشرط بمضمون وعد بلفور عندما دعم إقامة وطنٍ قوميٍّ لليهود في فلسطين على شرط ألّا يمسَّ بالحقوق المدنية والدينية للآخرين. فالآخرون، أي نحن الشعب الفلسطيني، ليس لنا حقوق سياسية مشروعة، وإنَّما فقط حقوق مدنية ودينية وإنسانية.
إذا جاءت رشيدة لتتحدَّث عن الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية في القدس وفي مواجهة الاحتلال والاستيطان فهذه الزيارة ممنوعة، أما اذا جاءت في زيارة إنسانيّة لجدتها في جنح الظلام فلا مانع.
إنَّ من شأن زيارة النائبَين رشيدة وإلهان أن تعكِّر صفو مخطط ترامب ونتنياهو لاستكمال وعد بلفور والإجهاز النهائي على وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه وقضيته الوطنية، وإنّ الزيارة ستقدِّم دعمًا لموقف القيادة والشعب الفلسطيني الرافض قطعيًّا لصفقة القرن والمحاولات التي يقودها ترامب لتصفية قضية القدس واللاجئين ولشرعنة الاحتلال الاستيطان.
إنَّ آخر ما يهم ترامب ونتنياهو هو الديمقراطية، فهذان العنصريان الصهيونيان لا علاقة لهما بالإنسانية من أساسه، فهم المثال للجشع الرأسمالي واليمين المتطرِّف.