ليست هذه هي المرّة الأولى التي يستقبل فيها الرئيس أبو مازن وفودًا وشخصياتٍ إسرائيلية، وبوضوح تام، في مقرِّ الرئاسة، وأمام عدسات الصحافة والإعلام، وفي إطار قرارات الشرعية التي دعت وتدعو إلى التواصل مع قوى السلام والديمقراطية في المجتمع الإسرائيلي، لتفعيل دورها، وتوسيع مساحة حضورها في مواقع صنع القرار السياسي الإسرائيلي، لتعزيز فرص السلام الممكن على أساس حلِّ الدولتين، ولا تأتي هذه الشخصيات والوفود الإسرائيلية، للقاء الرئيس أبو مازن إلّا لأنَّها تدرك أنَّ خلاصها التاريخي من هوس اليمين العنصري المتطرِّف، وسياساته العدمية، لن يكون بغير حلِّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على أُسُسٍ عادلة، وأنَّ الرئيس أبو مازن بشرعيته، ومصداقيته، وواقعيته النضالية وسياساته العملية، هو مَن يجعل هذا الحل مُمكنًا وبضرورة الحتمية التاريخية.
وحتّى لو لم يكن لهذه القوى الإسرائيلية القدرة على تأمين ضرورة السلام لدى صُنّاع القرار في (إسرائيل)، فإنَّ المسؤولية الوطنية والأخلاقية الفلسطينية، تفرض ضرورةَ تكريسِ مصداقيةِ خطابِ السّلام الفلسطيني، وتعزيز حراكِهِ السياسي والدبلوماسي والحضاري على المستويات كافّةً، ووحدهم أصحاب الرؤى الأحادية، والأصولية الحزبية والسياسية، مَن لا يدركون هذه الضرورة، ولا يرونها مهمةً من مهمّات النضال الوطني، في الوقت الذي لا يعرفون من هذه المهمّات سوى إصدار البيانات وإطلاق التصريحات التي" تقصف العدو بالحروف السمينة" وهذا في أحسن أحوالها.
ولعلَّها مفارقة في غاية الأهمية، وقد جاءت في موعدها، أنّه في الوقت الذي يفتحُ فيه الرئيس أبو مازن الأبوابَ كلَّها أمام كلِّ مَن يتحدَّث بالسلام، لا مَن يسعى إليه فحسب، فإنَّ (إسرائيل) اليمين العنصري المتطرِّف، لا تفكر حتى بفتح أيِّ بابٍ من أبوابها أمام كلِّ من يتحدَّث بقضايا الحُرّيّة والديمقراطية والسلام، ولو كانوا من أحزاب داعميها التاريخيين، ونتحدَّث عن رفض (إسرائيل) السماح لعضوَي الكونغرس الأميركي عن الحزب الديمقراطي رشيدة طليب والهان عمر، من زيارة القدس المحتلة، والصلاة في المسجد الأقصى.
وبهذه المفارقة نرى وبوضوح شديد أهمية الأبواب الفلسطينية المفتوحة، مقابل أبواب (إسرائيل) المغلَقة، ولا نتحدَّث عن الأبواب السياسية فحسب، وإنَّما كذلك عن الأبواب الحضارية، إذ تُبقيها فلسطين مفتوحةً في سبيل العدل والحُرّيّة والديمقراطية والسلام، وتبقيها (إسرائيل) اليمين العنصري المتطرِّف مغلَقة، لأجل الحرب والاحتلال والعدوان. وفي موقف الأبواب المغلقة تتجلَّى حقيقةُ (إسرائيل) العنصرية، والعنصرية لا يمكن أن تنسجم مع الديمقراطية كما قال رئيس الحكومة د.محمد اشتية في تعليقه على قرار المنع الإسرائيلي ضدَّ رشيدة طليب والهان عمر. وهذا القرار مثلما أوضح إنَّما يعكس "خوف (إسرائيل) من فضح جرائم احتلالها لفلسطين، مثلما يؤكِّد أنَّ (إسرائيل) تحارب كلَّ مَن لا يقبل بنهجها الاحتلالي، وتحاول إسكات وتخويف الأصوات الحُرّة الداعية للسلام وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني".
(إسرائيل) تمنع إذًا.. وفلسطين تسمح، وتكريسًا لهذه الحقيقة يُبقِي الرئيس أبو مازن أبوابَهُ مفتوحةً لكلِّ مَن يتحدَّث بالسلام ويسعى إليه ولا يخشى في هذه الطريق لومةَ لائم، لأنَّها طريق الحق، وطريق الحق هي طريق النضال الصعبة التي لا يستطيعها "الكَلَمَنْجِيّون" على اختلاف هُويّاتهم الحزبية، مثلما يناهضها السائرون في طريق المشروع اللاوطني، مشروع الجماعة الإخونجية.