مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قديمة قدم لجوئهم للبلد الشقيق، ومرَّت العلاقة بالعديد من مراحل المد والجزر ارتباطًا بسيرورة العلاقة التبادلية بين الشعبين والقيادتين. غير أنَّ الثابت في العلاقة بقي يحمل الغبن التمييزي ضد اللاجئ الفلسطيني، إن كان عاملاً أم صاحب عمل، حيث حُرِمَ الفلسطينيون وحتى الآن من الحياة الكريمة في مخيماتهم، وما زالوا يمنعون من إدخال مواد البناء لإصلاح بيوتهم ومؤسساتهم، ومحرومين من العمل في العشرات من المهن الحرة، رغم وجود محاولات ترقيعية بشأن قانون العمل منذ عام 2010، فإنَّ شيئًا جديًّا لم يُطبَّق من القانونين 125 و126.
في الأيام القليلة الماضية فجرّت وزارة العمل، وقرار وزيرها كميل أبو سليمان بشأن تنظيم وتصويب وضعية مؤسسات وأرباب العمل والعمال، الموضوع مجدّدًا، حيث تمّت العودة للأخطاء السابقة، والخلط بين الفلسطيني وبين العامل الأجنبي، ما أثار ردود فعل واسعة في الأوساط الشعبية والرسمية والحزبية الفلسطينية، ووضع العصي في دواليب العلاقة الصحية والسليمة نسبيًّا بين الشعبَين والقيادتين الشقيقتين، وألقى بظلال كثيفة على مستقبل العلاقة، والحياة الآمنة للفلسطيني في لبنان الشقيق. وتمَّ الربط بين الإجراء الملتبس لوزارة العمل اللبنانية وبين "صفقة القرن" الأميركية، وطرح العديد من علامات السؤال على الموقف السياسي لوزير العمل.
مع أنَّ الفلسطينيين لا يرغبون بدفع الأمور نحو التوتر، ويحرصون على العلاقات الثنائية الأخوية الإيجابية، لا سيما أنَّ هذا الأمر تمَّ الاتفاق عليه سابقًا لجهة الفصل بين الفلسطيني والأجنبي، وعدم مساواتهما ببعضهما البعض. فالفلسطيني مقيم منذ نحو 73 عامًا، وهو شريك في بناء لبنان المعاصر، وبإمكان الجميع العودة لمقالة الأستاذ طلال سلمان، رئيس تحرير جريدة السفير سابقا، التي أغلقت أبوابها قبل أعوام قليلة خلت بسبب الأزمة المالية، وقراءة مقالته بعنوان "الفلسطينيون جوهرة الشرق"، ليدركوا جيّدًا الدور الفلسطيني المتميّز في لبنان، وليطلعوا على ما صنع الفلسطيني من أجل لبنان. أضف إلى أنَّ الأُخوّة الفلسطينية اللبنانية لا يمكن لأية قوة لبنانية أو عربية أو أجنبية أن تؤثِّر فيها، أو تسيء لها. وهذا ما عكسته سياسات الرئيس محمود عبّاس طيلة توليه الحكم مع القيادات الحكومية والحزبية والدينية وكافة الفعاليات اللبنانية، حيث أكّد بشكل قاطع على دعم وإسناد سيادة لبنان على أراضيه. ولكن أيضًا على أرضية علاقة أخوية تقوم على الاحترام والندية، ومنح الفلسطيني اللاجئ على الأراضي اللبنانية حق الحياة الكريمة لحين تأمين عودة اللاجئين الفلسطينيين عموما إلى وطنهم الأم فلسطين.
ومن الضروري لفت نظر الوزير سليمان إلى نقطة مهمة، وهي أنَّ الفلسطيني، وبغض النظر عن موقعه الاجتماعي أو الاقتصادي يعمل بحرص شديد على تنفيذ القوانين اللبنانية، وليس معنيًّا بتجاوزها، وبالتالي قيام موظفي الوزارة بإغلاق بعض المؤسسات الفلسطينية بالشمع الأحمر، وطرد بعض العمال من أعمالهم بحجة وذريعة عدم تصويب أوضاعهم، وقبل منحهم فرصة زمنية لذلك، شكَّل صدمة قوية لأرباب العمل والعمال ولكل الشعب الفلسطيني في لبنان وكل مكان من الدنيا، وكان الأجدر بوزير العمل أن يمنح فرصة زمنية للتصويب، وتفادي أية إرباكات جديدة، أساءت للعلاقة المشتركة.
ولعلَّ الاجتماع الذي عقد أمس الاثنين في مقر وزارة العمل اللبنانية بحضور ومشاركة كلٍّ من وزير العمل كميل أبو سليمان، والمسؤول اللبناني المكلف بالملف الفلسطيني اللبناني حسن منيمنة، وسفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور، أزال نسبيًّا سوء الفهم، وسمح بتخفيف حدة التوتر في أوساط الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية، ومنح الفلسطينيين مهلة ستة أشهر لترتيب أوضاعهم مع وزارة العمل، كما أكَّد على عدم مساواة الفلسطيني بالأجنبي. وهذا ما أكَّده الوزير اللبناني، وأشار لمواقفه المتعددة في دفاعه عن حقوق ومصالح الفلسطينيين. وبالتالي لتكريس الموقف الإيجابي للوزير أبو سليمان، ولتحصين العلاقات الأخوية اللبنانية الفلسطينية جيّدًا، تملي الضرورة على وزارة العمل عدم الخلط بين الفلسطيني والأجنبي، وعدم التسرُّع في اتّخاذ أية خطوات إجرائية غير محسوبة النتائج، خشية تفسيرها بشكل خاطئ، ولأنَّ الفلسطيني اللاجئ ملتزم بالقانون، وليس فوق القانون، لذا هناك فرق كبير بين أرباب العمل والعمال الذين يتهرّبون من تصويب أوضاعهم، وبين الفلسطيني الملتزم.