محمد العمري ومهند جدوع

في عالم المستديرة، تتعصب الجماهير لتشجيع منتخباتها الوطنية، لكن الحالة في فلسطين والجزائر تختلف تماما، فكلاهما يشجعان ويوازران أحدهما الآخر، دون ملل أو كلل، بغض النظر عن مكان اللقاء أو توقيته.

الجماهير الفلسطينية عاشت الليلة الماضية، لحظات صعبة أثناء متابعتها مباراة المنتخب الجزائري الشقيق ونظيره النيجيري ضمن الدور نصف النهائي لبطولة أمم إفريقيا، خوفا على خروج منتخبهم المفضل من البطولة.

تحولت اللحظات الصعبة التي عاشها عشاق "محاربو الصحراء"، إلى فرحة عارمة عمت كافة محافظات الوطن، بعد تمكن نجم الجزائر رياض محرز من تسجيل هدف الفوز لبلاده في الوقت القاتل من زمن اللقاء، ليضرب موعداً في النهائي، يوم الجمعة المقبل، مع السنغال، التي فازت على تونس بالنصف نهائي الثاني بهدف وحيد.

مما لا شك فيه، فإن الجماهير الفلسطينية العاشقة للمنتخبات العربية المشاركة في أمم إفريقيا، كانت تتمنى أن يكون النهائي الإفريقي عربيا خالصا، في تكرار لنهائي 2004 بين منتخبي تونس والمغرب، لكن هذا لم يتحقق بعد الوداع الحزين وغير المستحق للمنتخب التونسي الشقيق.

لا يغيب العَلًم الفلسطيني عن الدوريات المحلية، أو المباريات الدولية للمنتخبين، فجماهير الجزائر ترفعه أينما حلت، وفي المقابل يرفع علم الجزائر في الدوريات المحلية والخارجية وداخل المسجد الأقصى، وانتشرت الليلة الماضية مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لجماهير فلسطينية وسط مدينة رام الله وغيرها من المدن، تلوح بعلم الجزائر وتهتف لمنتخبها.

عادة يجتمع مشجعو كرة القدم في المقاهي والساحات العامة لمتابعة المهمة والحاسمة من البطولات الاقليمية والدولية، لكن ما كان لافتا الليلة الماضية، الحشد الكبير، الذي لم يقتصر على فئة معينة، بل ضم شبابا وأطفالا وفتيات حتى كبار السن، صدحت حناجرهم بالهتافات المشجعة للمنتخب الجزائري، فيما لوّح الأطفال بالعلمين الجزائري والفلسطيني.


نجوم منتخبنا الوطني لكرة القدم، عبروا عن فخرهم واعتزاز كل فلسطيني بتأهل الجزائر إلى اللقاء النهائي للبطولة الافريقية، وشددوا على أن الفرحة في فلسطين بالتأكيد لا تقل عن فرحة الأهل والأشقاء في الجزائر، وفي معظم الدول العربية، واعتبروها  لحظة تاريخية، بعد غياب الجزائر عن المباراة النهائية للبطولة الافريقية منذ 29 عاما.

رئيس جمعية الأخوة والصداقة الجزائرية – الفلسطينية أسعد قادري، قال: إن هناك تشجيعا كبيرا للمنتخب الجزائري في مختلف محافظات الوطن، ما يؤكد وفاء شعبنا الفلسطيني لكافة شعوب العالم التي وقفت معنا وساندت قضيتنا الفلسطينية، خاصة الجزائر الشقيقة، التي قدمت ودعمت قضيتنا في شتى المجالات وفي مختلف المحافل الدولية.

وأضاف: هناك تحضيرات بالتنسيق مع كافة الجهات الرسمية والشعبية للقاء النهائي بين الجزائر والسنغال لإتاحة المجال امام الجماهير الفلسطينية لمتابعة المباراة  عبر شاشات ضخمة ستوضع في نقاط محددة.

ودعا قادري أبناء الجالية الفلسطينية المقيمة في مصر، إلى تشجيع ومساندة المنتخب الجزائري في اللقاء النهائي المقرر يوم الجمعة المقبل من أرض استاد القاهرة الدولي، تأكيدا على علاقات الأخوة والمحبة بين الشعبين والبلدين الشقيقين.

وأوضح أن الجمعية تقيم احتفالات ونشاطات مختلفة، ولا يقتصر جهدها على الأنشطة الرياضية، وهدفها الرئيس دائما تطبيق شعار "عاشت الأخوة الفلسطينية- الجزائرية"، وخدمة الشعبين وتعزيز العلاقات الاخوية بينهما.

مدرب منتخبنا الوطني لكرة القدم الجزائري نور الدين ولد علي، شكر جمعية الصداقة والاخوة الفلسطينية الجزائرية على مبادرتها في دعوة الجماهير الفلسطينية لحضور المباريات، وتشجيع المنتخب الوطني الجزائري، ما يؤكد متانة علاقات الاخوة بين الشعبين الشقيقين.

وقال ولد علي: إن المنتخب الجزائري قدم أداء رائعا خلال البطولة، وقادر على التتويج باللقب الافريقي وادخال السعادة للجماهير الجزائرية والفلسطينية.

الشاب خليل جاد الله، أحد متابعي المباراة، أكد أنه تابع كل مباريات المنتخب الجزائري في البطولة الافريقية وشجع "محاربو الصحراء" باعتباره منتخبه الوطني كما المنتخب الفلسطيني، مشيرا إلى أن الجماهير الفلسطينية عاشقة للمنتخب الوطني الجزائري.

وقال: إن الجماهير الفلسطينية ستبقى وفية للمنتخب الجزائري وستشجعه في اللقاء النهائي أمام منتخب السنغال، آملا أن يتمكن من التتويج باللقب الافريقي وادخال الفرحة إلى قلوب كل مشجعيه.

الفتاة دانا أحمد، قالت: إنها تأتي هي وصديقاتها منذ انطلاقة البطولة لمتابعة مباريات المنتخب الجزائري الذي قدم أداء جميلا في كافة مبارياته واستحق التأهل للمباراة النهائية.

وأشارت إلى التشجيع الكبير والتعصب من قبل الجماهير الفلسطينية للمنتخب العربي الجزائري يؤكد متانة وقوة علاقات الاخوة بين البلدين والشعبين، ورسالة وفاء وشكر من فلسطين إلى الجزائر التي دعمت وساندت القضية الفلسطينية في مختلف المحافل.

حتى أثناء تشجيعها لمنتخبها الوطني في لحظات حاسمة ودقيقة في أرض ملعب استاد القاهرة الدولي، لم تنس الجماهير الجزائرية الشقيقة أن تهتف لفلسطين وقضيتها العادلة: "تحيا فلسطين"، "عاشت فلسطين حرة عربية"، كما افتتح المعلق الجزائري الشهير حفيظ دراجي التعليق على اللقاء بتحية فلسطين وشعبها.

لا يمكن لفلسطيني، خاصة من متابعي الرياضة، أن ينسى المباراة التي جمعت المنتخبين الأولمبيين الجزائري والفلسطيني عام 2016 في لقاء ودي، عندما اهتزت مدرجات ملعب "الخامس يوليو" بالجزائر، بصيحات التشجيع والدعم للمنتخب الفلسطيني، وهي المرة الأولى بتاريخ كرة القدم التي يناصر الجزائريون، منتخبا منافسا على حساب منتخبهم الوطني.

وسائل الاعلام المحلية الفلسطينية اهتمت بلقاء منتخبي الجزائر ونيجيريا، ونشرت على صدر صفحاتها الرياضية أخبارا وتقارير حول اللقاء، صحيفة "القدس" كتبت عنوانها الرئيسي "هدف من ذهب.. أسعد كل العرب.. تحيا الجزائر"، فيما عنونت صحيفة الأيام صفحتها الرئيسية: "أمم افريقيا 2019: محرز يلدغ نيجيريا بالوقت القاتل ويقود الجزائر لمواجهة السنغال في النهائي بعد اقصاء تونس"، وكتبت وكالة الأنباء والمعلومات "وفا": "المنتخب الجزائري يبلغ نهائي أمم افريقيا بفوز قاتل على نيجريا".

العلاقات الفلسطينية الجزائرية ليست وليدة اليوم ولا ترتبط بالرياضة فقط، بل هي علاقة تاريخية يجمعها نضال وأخوة وتضحيات، امتدت لأجيال متعاقبة وما زالت متواصلة بين القيادتين والشعبين الشقيقين.

في الجزائر عاش ودرس وعمل قادة وشهداء فلسطينيون عظام، وعلى أرضها كان المقر الأول لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وبقيت أرضها المباركة ترفض أدنى أشكال العلاقة مع إسرائيل.

عام 1982 استقبلت الجزائر 588 مقاتلا فلسطينيا، بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وفي 15-11-1988 أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات من قاعة الصنوبر في مدينة الجزائر العاصمة، استقلال دولة فلسطين، في خطابه الشهير أمام المجلس الوطني الفلسطيني، الذي قال فيه: "باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني نعلن قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".

الجزائر أول دولة اعترفت بدولة فلسطين، وقدمت لآلاف الطلبة الفلسطينيين منحا دراسية وما زالت، وهي من الدولة الملتزمة بتقديم المساعدات الدورية لها، وحتى عام 2013 كانت ثالث اكبر مانح عربي للموازنة الفلسطينية، بنسبة 11% من اجمالي الدعم العربي، وانتقلت بعد عام 2013 إلى المركز الثاني بعد المملكة العربية السعودية.

هذه المواقف المؤيدة والمساندة لفلسطين وقضيتها العادلة، ترجمة لمقولات عدة أطلقها الرئيس الجزائري الأسبق الراحل هواري بومدين، ورددها خلفه الشعب الجزائري الشقيق "شعب المليون شهيد"، (الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة)، (لا وصاية على الفلسطينيين)، (لا تفاوض، لا تطبيع).