عرض جارد كوشنير لرزمته الاقتصادية التي طال انتظارها.. خمسون مليار دولار للإنفاق على 139 مشروعًا، موزعة مناصفة بين فلسطين بضفتها وقطاعها، ومن دون قدسها طبعًا.. أمّا البقية فموزّعة وفقًا لاعتبارات لم نفهمها بعد: 10 مليار لمصر، 7.4 مليار للأردن و6.3 مليارات للبنان.. كوشنير لم يصارحنا بعد بما هو مطلوب من فلسطين ودول جوارها مقابل هذه الأموال، بيد أن "المكتوب يُقرأ من عنوانه".
الصهر المدلّل أو "الفتى الغرّ" كما أسميناه ذات مقال، كان واضحًا وصريحًا حين اتّصل الأمر بمصادر هذه الأموال: دول الخليج وشركات المال والأعمال.. بعضها منح وكثير منها قروض ميسرة واستثمارات ستستردها الشركات الضالعة في المشروع..  عشر سنوات هي مدة المشروع، ليس لدى أحد على وجه هذه الأرض، ضمانة من أي نوع، بأنَّ الأطراف ستلتزم بما ستتعهد به، وستفي بتعهداتها، علمًا أن تجارب الزمن القريب والبعيد، في فلسطين وغيرها، برهنت بما لا يدع مجالًا للشك، بأنَّ معدل الالتزام بقرارات وتوصيات مؤتمرات مشابهة، لا يتعدّى ربع إجمالي هذه الالتزامات أو ثلثها في أحسن تقدير.
إن قلنا إنَّ أعداد اللاجئين في الدول المضيفة هي المعيار الأهم في تقسيم المال وتوزيع المشاريع على دول جوار فلسطين، فإنَّ من حق الأردن أن يحل أولًا في القائمة القصيرة للدول المتلقية للمنح والتعويضات، وبمبلغ إجمالي يزيد عن الـ130 مليار دولار إذا أخذنا لبنان كنقطة قياس. أمّا مصر فيتعيّن أن تحظى بأقل من مليار دولار بالاستناد إلى المقياس ذاته، لكن مصر، حظيت بسخاء كوشنير، ومن المفترض أن تحصل على إجمالي ما يحصل عليه لبنان والأردن تقريبًا، أو أقل بقليل من نصف ما يحصل عليه الفلسطينيون (أصحاب القضية) أنفسهم.. فهل للأمر صلة بما قيل ويقال عن "ضمّ" أو "استئجار" مناطق في سيناء تستخدم لتوسعة القطاع أو كمجال حيوي لمليوني فلسطيني يختنقون في مساحته الضيقة؟ أسئلة ساذجة في شكلها، لكنها ملحّة وضاغطة في ضوء كل هذا الضجيج الذي أحاط بالصفقة (صفقة القرن) والورشة (ورشة المنامة).
الدولة المُتسببة بالنكبة والنكسة واللجوء والشتات والعدوان والحصار، ليس مطلوبًا منها أن تدفع قرشًا واحدًا، حتى الطريق "العابر لإسرائيل" الذي سيربط الضفة بالقطاع، قدره كوشنير بخمسة مليارات دولار، مع أنه قد لا يحتاج لأكثر من مائة مليون دولار على أبعد تقدير، لكأنه يريد تحت هذا العنوان، أن يقدم تعويضًا لإسرائيل عن عدوانها وجرائمها واحتلالها، بجائزة ترضية سخية من هذا النوع.
بعيدًا عن اللغة السياسية وشعارات "فلسطين ليست للبيع" و"الأقصى ليس للبيع" و"اللاجئون ليسوا للبيع"، و"نقبل بما يقبل به الفلسطينيون"، وهي جميعها شعارات صائبة ومقدسة إن شئتم ... أرى أن كوشنير يهين العرب والفلسطينيين إذ يعرض عليهم ثمنًا بخسًا لقضيتهم المركزية الأولى، وقبلتهم الأولى، ونظير توريطهم في ملف توطين اللاجئين واقتطاع أراض من ترابهم الوطني تحت مسميات شتى ... ثمن بخس، دراهم معدودات، دع عنك أنها من جيبوهم، وأنها ستأخذ شكل قروض مضمونة واستثمارات مربحة للشركات ... هل ثمة من استخفاف بأمتنا الواحدة ذات الرسالة الخالدة، أكثر من هذا؟
في اجتماعات الأونروا المتعاقبة للدول المانحة والمضيفة، يتحدث الأردن منذ سنوات عن رقم نصف مليار دولار تتكبدها الدولة سنويًا جراء استضافة ملايين اللاجئين والنازحين الفلسطينيين... وبحسبة بسيطة تأخذ "المعدلات الوسطية" لهذا الإنفاق في السنوات السبعين الفائتة، فإن أقل تعويض للأردن كدولة مضيفة يجب أن يتخطى الـ"35 مليار دولار" على أقل تقدير ... كوشنير اختصر هذا المبلغ إلى أقل من الربع ، ولم يدرجه في باب تعويضات اللاجئين الأفراد أو الدولة المضيفة، بل وضعه في خانة الازدهار الاقتصادي، وأدرجه في عداد القروض الميسرة والاستثمارات.
كنّا حذرنا من قبل، أن صفقة القرن، لا تسقط قضية اللاجئين وحقهم العودة ووكالة غوثهم وتشغيلهم فحسب، بل وتسقط عنهم حقهم في التعويض كذلك، وتسقط عن الدول المضيفة حقها في التعويض... وتفتح الباب رحبًا أمام مشاريع التوطين والوطن البديل ...أليس هذا هو ملخص جدول أعمال المُضمر لورشة المنامة؟