ورشة ترامب الاقتصادية في المنامة، فصل من كتاب وعده الاستعماري، تتعامل مع الضفة الفلسطينية وقطاع غزة ككيانين منفصلين، مجردين من الكيانية السياسية، أي من صفة الدولة الفلسطينية المستقلة رغم ربطهما على الورق بسكة حديد!!، فمشروع (المؤامرة الاقتصادية) المطروح في الورشة يعيد ربط قطاع غزة اقتصاديا بمصر العربية والضفة بالمملكة الهاشمية الأردنية، ما يعني إزاحة الحدود السياسية لدولة فلسطين وإعادة الأمور إلى وضع سيكون أقل من حكم ذاتي، خاصة إذا تمكن نظام واشنطن الاستعماري مع نظام تل أبيب الاحتلالي الاستيطاني الإسرائيلي من تضييق الحصار السياسي والمالي على السلطة الوطنية الفلسطينية بالتعاون مع معنيين في أنظمة عربية رسمية، يفكرون بكيفية التحلل من الالتزام بالمبادرة العربية وتطبيقها كما هي من الألف إلى الياء، والاكتفاء بتطبيق بند إقامة علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال إسرائيل، حتى دون تطبيق بند قيام دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لم تتضمن وثائق الورشة الأميركية المؤامرة أي ذكر لدولة فلسطين، أو الشعب الفلسطيني أو القدس الشرقية، وكل ما تم ذكرة مصطلحات من قبيل الفلسطينيين، الحالة الاقتصادية للفلسطينيين، فكيف لم ينتبه المتهافتون إلى الورشة -بذريعة استكشاف الموقف الأميركي وسبر أغواره- إلى غياب هذه المصطلحات، أم أن القدس العربية الفلسطينية لا تعنيهم، وأن مقررات القمم العربية وقرارات الجامعة العربية لا تستحق الاحترام والالتزام، والسؤال الأهم لهؤلاء، كيف سيساهمون في ازدهار المنطقة قبل اعتراف الإدارة الأميركية ونظام تل أبيب بحق الشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس وضمان سيادة الشعب الفلسطيني على موارد دولته وحدودها؟! فالناجح في الاقتصاد هو البارع في فهم مقاصد السياسة.
المطار رمز سيادي في أي دولة، أما مشروع الورشة الأميركية في البحرين فلن يمكن الشعب الفلسطيني من امتلاكه ليكون ركنا سياديا في دولته المستقلة، وبرز ذلك جليا واضحا في خطط تمويل وتطوير مطارات في دول عربية مجاورة لفلسطين بذريعة تمكين الفلسطينيين من السفر فهو دليل على أبعاد هذه المؤامرة الهادفة لتجريدنا من إنجازاتنا الوطنية التي حققناها بالكفاح والنضال، وارتقى في سبيلها آلاف الشهداء.
إن التفاف الشعب الفلسطيني حول مواقف الرئيس محمود عباس أبو مازن الحكيمة الصلبة والشجاعة في مواجهة "صفقة القرن" كان كفيلا بدحرجة مراتب مؤامرة ترامب من مؤتمر دولي اقتصادي يحول القضية الفلسطينية إلى مجرد مشكلة إنسانية واحتياجات مادية، إلى مجرد ورشة بتمثيل رسمي واقتصادي متدن، رغم الأرقام الوهمية الضخمة المكتوبة على الورق والتي نعتقد أنها ستبقى كذلك.
الجالسون في ورشة ترامب العائمة في البحرين، أدخلوا في متاهة بلا ملامح ولا حدود في منطقة تعصف بها الصراعات تحت تأثير ضخ إعلامي ودعائي ركز على عنوانها "الازدهار والسلام" وسيكتشفون في اليوم التالي لانتهاء أعمالها أن ترامب قد استطاع شدهم إلى هذه الورشة المليارية المشبوهة بحبال الهواء، وبنى لأحلامهم قصورا من رمال شاطئ.
لو قرأ أصحاب مفهوم (انتهاز الفرص) ما نشر من وثائق الورشة الأميركية لاكتشفوا أن ترامب ونتنياهو قد نجحا في جرهم إلى طاولة لا يكسب من الجالسين حولها إلا نظام تل أبيب العنصري، وسيعيبهم أن مستشار الرئيس الأميركي وصهره كوشنير – رغم صغر سنه وتجربته السياسية -  استطاع إغراقهم بشبر ماء على شاطئ عاصمة عربية وسيدرك الذي حضر منهم على ظهر نوايا حسنة (غبية) أو على ظهر سوء النية متحمسا لتنفيذ الدور المرسوم له سلفا، فهؤلاء على حد سواء  قد وقعوا في الفخ وما جنوا إلّا الهواء المغبر من  (بمبة ترامب) ، فهؤلاء ما كانوا إلا مطية سيركبها المسؤولون في نظام تل أبيب العنصري لاختراق حدود التطبيع  والولوج إلى مساراتها التي سيعملون على تعزيز وجودهم فيها، كالاقتصادية والفنية والرياضية، وفوق كل أمر مساعيهم لاعتبار المبادرة العربية وكأنها لم تكن، ومحوها نهائيا من مرجعيات الحل للقضية الفلسطينية.
 لو قرأ (المتونسون) بوزير الخزانة الأميركي وثائق الورشة، أو تمعنوا جيّدًا بتصريحات ترامب أمس لأمكنهم التأكد من أنَّ إدارة ترامب استخدمتهم  كتظاهرة، لتمرير المؤامرة بسلاسة، فكل مخرجات الورشة ستبقى حبرا على ورق، ولن ينفذ منها بند واحد لسبب بسيط أن ترامب قد ربط تنفيذ المشاريع بالـتأكد من قبول الحل السياسي (صفقة القرن)  وإمكانية تطبيقها، فكيف لا يعرف هؤلاء أنّ قيادة الشعب الفلسطيني وباسمه قد رفضت صفقة القرن جملة وتفصيلا بعد انكشاف مضمونها العملي المتعلق بالقدس حيث تمَّ الإقرار بها عاصمة لدولة الاحتلال، وقضية اللاجئين التي اعتبرها ترامب منتهية، وقضية المستوطنات التي يعتبرها سفير ترامب شرعية، أما قضية الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس فقد نسفها  ترامب نهائيا، ما يعني أنّ الحل المرفوض من الشعب الفلسطيني وقيادته لن يمر وسيسقط بفعل الصمود الفلسطيني مهما بلغت التضحيات، فإرادة هذا الشعب لم يعد باستطاعة قوة في هذا العالم كسرها، وهذا ما أكده الرئيس أبو مازن عندما قال: "إذا مر وعد بلفور فإن وعد ترامب لن يمر أبدًا".