"الخمسينة" هي قدح الشاي على الطريقة المصرية، والذي يُعدُّ لأجل "السلطنة" كما يقال، ولا نرى بداية في "ورشة البحرين" غير محاولة أميركية "لسلطنة" الحال العربية عبر معاقرة الوهم والتعاطي مع الخديعة!!!
إنَّ مَن يسمع ويقرأ أنَّ خمسين مليار دولار في جعبة "ورشة البحرين" الأميركية لا شك أنّه سيسرح في خيالات النعمة والرفاهية، ومن حيث سيعتقد أنَّ هذا المبلغ الضخم حقيقي، وممكن، وأنّه سيصب في طاحونة دعم الاقتصاد الفلسطيني كما يزعم كوشنير الذي يتقصّد ألّا يعرف بهُويّة هذا الاقتصاد السياسية أو الوطنية، والحقيقة أنّ هذا المبلغ ليس لغير طاحونة صفقة ترامب الصهيونية، التي لا تريد لفلسطين دولة، ولا القدس عاصمة لهذه الدولة، بل والتي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، تصفية تامة، حتى لا يبقى منها أي شيء يذكر!!!
والخمسون مليار دولار في الواقع ليست جميعها لدعم الاقتصاد الفلسطيني، هذه خديعة الإعلان السياسي الأميركي عن هذه الورشة، ذلك لأنَّ هذا المبلغ الافتراضي موزّع على ثلاث دول، وفلسطين التي تشير إليها الورشة بالاقتصاد الفلسطيني !! خمسة عشر مليارًا من هذا المبلغ هو منحة (!!) وخمسة وعشرون من هذا المبلغ، عبارة عن قروض طويلة المدى، والباقي مشاريع استثمارية هي في الحقيقة، ليست غير مشاريع التوطين المرفوضة تمامًا فلسطينيًّا وعربيًّا، سواء أكانت في الأردن، أو في لبنان، أو في سيناء المصرية كمدن صناعية، وهذه التي يراد منها تسمين الإمارة الإخوانية في قطاع غزة المكلوم !!
وأيضًا فإنَّ هذا المبلغ لن يوزّع في قاعة الورشة على المشاركين فيها، والتي قاطعتها دول عربية عديدة، وأقطاب دولية لافتة، وإنّما تشترط الإدارة الأميركية الصرف -والذي لن يكون من خزائنها إذا ما كان- بعد تنفيذ الشق السياسي الذي يحمله هذا المبلغ، وهذا الشق هو شق المشروع الأميركي التصفوي للقضية الفلسطينية، والذي بينه والحل العادل ما صنع الحداد، وما صنع الحداد قطعة من الحديد تضرب بعصا، فتنتج صوتا يقاس به البعد عن الثرثرة المزعجة، وهذه هي ثرثرة الشق السياسي لورشة الخديعة الأميركية، الشق الذي يبحث عن بديل لدولة فلسطين، والذي يرى القدس عاصمة لدولة الاحتلال، والذي يسعى لمحو قضية اللاجئين، بل والذي يريد طمس هُويّتنا الوطنية، وشطب تاريخنا الحضاري والإنساني، وقذفنا إلى صحارى العبث والعدمية!! وتتوهّم الإدارة الأميركية أنّه بخمسين مليار دولار -ومرة أخرى لن تكون من خزائنها إذا ما كانت- يمكنها أن تحقّق ذلك!! وبرغم هذا الوهم نعتقد أنَّ الإدارة الأميركية تعرف حق المعرفة، أن قيادة الرئيس أبو مازن لن تساوم على فلسطينها وفلسطينيتها، ولو بذهب العالم كله، وهو الذي يقف منتصبًا بالإرادة الوطنية الحُرّة، في كلِّ موقع ومناسبة، ليقول لا لصفقة العصر، ولا لورشتها وليذهبا إلى الجحيم معًا، وسيذهبان إلى الجحيم حقًّا، مسربلتين بلعنات التاريخ والناس أجمعين.
ولسنا بعد كل كلام من يقول إنَّ ورشة البحرين إلى فشل، إسرائيليون سياسيون وصحفيون من يقول ذلك، كتّاب وباحثون ومفكِّرون في أكثر من موقع إقليمي ودولي من يؤكِّد ذلك، ومن داخل الولايات المتحدة مساعد دينس روس الذي كان يوصف بعراب السياسية الخارجية الأميركية روني ملير من قال ذلك أيضًا، ويظلُّ طبعًا القول الفصل، الذي هو قول الشرعية الفلسطينية، وقول جماهير شعبها في الوطن والشتات ومعهم جماهير الأمة العربية، وهو القول الرافض لكلِّ هذه المؤامرة بل والمتصدي لها حتى سقوطها الذريع وهزيمتها الشاملة.