في العاشر من حزيران/يونيو الحالي رفضت المحكمة الإسرائيلية العليا استئناف البطرك ثيوفيلوس، والبطريركية الأرثوذكسية بشأن أملاكها في باب الخليل بعد اربعة عشر عاما من الأخذ والرد، تلك الأملاك: فندقا إمبريال والبترا، وبيت المعظمية، التي تم تسريبها زمن البطرك اليوناني إيرانيوس، وهو ما يعني عمليا تشريع "العليا" لسيطرة المستوطنين الاستعماريين على الأملاك الفلسطينية العربية، وبغض النظر عن أية تباينات داخل صفوف الطائفة الأرثوذكسية (وهو ما عالجته سابقا عند الدعوة الصريحة لتعريب الكنيسة)، فإن القرار القضائي الإسرائيلي لا يجوز أن يمر تحت أي اعتبار، وما قام على باطل، وفق القانون، فهو باطل. والمحكمة الإسرائيلية الاستعمارية نشأت وترعرعت في أحضان الباطل الاستعماري، ولا يمكن التعامل مع قرارها إلا كقرار باطل.
كما أن الضرورة تملي على البطريرك ثيوفيلوس عدم الاستسلام لقرار المحكمة، والتوجه للمحاكم الدولية، خاصة محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وقبلها للمحاكم اليونانية، لا سيما وأن الكنيسة اليونانية، هي التي تقود شؤون الطائفة حتى الآن، والتعاون مع الكنيسة الروسية ذات الجذور الأرثوذكسية. بالإضافة لذلك وضع برنامج فعاليات سياسية ودينية للتأكيد على عدم جواز شرعنة أملاك أوقاف باب الخليل في حي النصارى داخل العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية، القدس الشرقية.
معركة أوقاف باب الخليل، هي جزء لا يتجزأ من المعركة الأشمل والأعم لزهرة المدائن وابنائها من مختلف التابعيات الدينية، ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض. ولم يكن صدور القرار الآن بعد 14 عاما من المداولات، وبغض النظر عن رخاوة وضعف دفاع القائمين على الكنيسة عن أملاكها، بالصدفة، ولم يأت نتاج فشل محامي الدفاع عن القضية، أو براعة محامي الادعاء، واللصوص المستوطنين، إنما هو قرار سياسي بامتياز، ويندرج في مركبات عملية الضم الأعمق للمدينة المقدسة لدولة الاستعمار الإسرائيلية، ويعتبر جزءا مكملا لقرار اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وامتدادا لقانون "القومية الأساس" للدولة الإسرائيلية.
وعليه من الضروري على الكل الفلسطيني التشمير عن ساعده للدفاع عن أوقاف باب الخليل. ومن الضروري التنادي لعقد اجتماع لكل الفعاليات الدينية والسياسية والحزبية والثقافية والأكاديمية لتدارس الرد على قرار المحكمة العليا، لأن ما جرى ضد أوقاف باب الخليل، لا يختلف عما جرى لبوابات المسجد الأقصى، أو أية مشاريع تآمرية ضد عروبة عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية. وحتى لو كان هناك قصور داخل أوساط قيادة الطائفة الأرثوذكسية، فعلى الكفاءات والقيادات الفلسطينية العربية التصدي للمؤامرة الإسرائيلية المكشوفة، لأن الأملاك لفلسطين وأبنائها، ولا يجوز أن تمر عملية القرصنة مرور السلام، وكأن قرار المحكمة العليا، قرار منزل، أو لا يمكن نقضه، ورفضه، وفرض تعديله، وتغييره، بل العكس صحيح.
وبالتوافق مع ما تقدم، يفترض أن يدرج هذا الموضوع، مع ما أعلنه أردان، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، عن سن قوانين، واتخاذ إجراءات، وترجمتها لانتهاكات بهدف حرمان ومنع الأنشطة الفلسطينية في القدس العاصمة. تلك الإجراءات والقوانين الاستعمارية تصب في ذات الاتجاه، وتعكس إمعانا، واستهتارا إسرائيليا بالحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية في قدس الأقداس، مدينة السلام، وتعميقا لخيار الضم الكلي لعاصمة فلسطين الأبدية لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية. وهو ما يحتم على الكل الفلسطيني قيادة وفصائل ونخبا سياسية وثقافية ودينية واجتماعية واقتصادية ومن مختلف الألوان والمشارب والاتجاهات التصدي للهجمة الإسرائيلية الاستعمارية. لم يعد هناك مجال للنوم والتراخي، أو الصمت فمعركة المواجهة لصفقة القرن وورشة المنامة وكل جريمة استعمارية إسرائيلية تحتاج إلى توسيع برنامج الكفاح الوطني الشعبي والسياسي والدبلوماسي والقانوني، وعلى مختلف الصعد والمستويات الفلسطينية والعربية والإسلامية، والمسيحية والعالمية. نحن أمام لحظة اختبار عظيمة: إما أن نكون، أو نكون، وسنكون كما نريد ونطمح ونحلم أسيادا على ترابنا الوطني شاءت إسرائيل أم لم تشأ، وشأت أميركا أم لم تشأ.