بدأت فلسطين بالانضمام إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو والذي كان مقرر انتهائها في عام (1999م)، والدخول في مفاوضات الحل النهائي، حيث تسبب تعنت الجانب الإسرائيلي من خلال المماطلة، والمقايضة، والتصعيد، وإطالة أمد الأزمة، في عدم تحقيق الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وتنكرها للاتفاقيات الموقعة وتصعيدها على الأرض، وإسقاطها لحق اللاجئين ضاربة عرض الحائط بالقرار الدولي رقم (194)، وإسقاط القدس الشرقية من دائرة المفاوضات، ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود، والاشتراطات الإسرائيلية المتزايدة التي تغلق أي أفق للتسوية، والذي بات غير ممكن عبر هذا المسار.
كان لا بد من التحرك من قبل صانع القرار الفلسطيني، وإدراكه لأهمية انضمام فلسطين إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتعزيز مكانة فلسطين كدولة في الأمم المتحدة، ومساءلة ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي، بما يسمح لنا، وتكثيف الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، ولفت انتباه العالم لما يتعرض له الفلسطيني من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك من عرقلة لعملية السلام. ولا بد من الإشارة إلى أن انضمام فلسطين إلى المعاهدات هي حق طبيعي وقانوني، يساهم في حماية الحقوق الإنسانية والمدنية والسياسية والاقتصادية.
وقد حصلت فلسطين على دولة مراقب في الأمم المتحدة بتاريخ (29-11-2012) وأصبحت مثلها مثل دولة "الفاتيكان" الذي يتبع لها مليار شخص يعتنقون الديانة المسيحية، والذي يعد انتصاراً قانونياً وسياسياً، وتسعى- فلسطين- لنيل عضوية كاملة بالأمم المتحدة، وقد نجحت بانضمامها لاتفاقية روما التي انبثقت منها المحكمة الجنائية الدولية.
فاعتراف المجتمع الدولي يمكنها من حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة دون أن يكون لها الحق في التصويت، ويعامل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية كرئيس دولة حيث إن اعتراف المجتمع الدولي بفلسطين يسقط خيار الوطن البديل- الأردن، سيناء- ما يجعل التهجير القسري جريمة دولية.
وقد انضمت دولة فلسطين إلى العديد من المعاهدات والاتفاقيات والتي وصلت إلى (65) اتفاقية حتى تاريخ (18_11_2018م) وهذه الاتفاقيات لا يتسع المجال لذكرها في هذه المقالة حيث إنها تساعد في ملاحقة ومساءلة ومحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على ما يقوم به من قتل للفلسطينيين، ووقف انتهاكاته بحق الأسرى الفلسطينيين باعتبار أنهم أسرى حرب، والسيطرة السياسية والاقتصادية على أكثر من (370) كيلومترا من شاطئ قطاع غزة وذلك بعد انضمامها لاتفاقية قانون البحار، ما يزيد من مساحة فلسطين، كذلك الاستفادة من توقيع اتفاقية الإبادة الجماعية على اعتبار ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة من حصار قد يصل إلى حد الإبادة الجماعية، وتوفير الحماية والحصانة للدبلوماسيين الفلسطينيين، ومنع تفتيشهم على الحدود، وتلقي المساعدة التقنية والتدريب والمعلومات من الدول والمنظمات الإقليمية حول مكافحة الفساد والمساءلة والمحاسبة، وتسليم المسؤولين الحكوميين الذي يسرقون المال العام ويهربون للخارج هذا من جانب، ومن جانب آخر يعزز ويساند دور الحكومة الفلسطينية في تطبيق معايير الحكم الرشيد، ما ينعكس بالتالي لصالح المجتمع الفلسطيني برمته وذلك بعد انضمامنا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
لقد عززت هذه الاتفاقيات من مكانة فلسطين في الساحة الدولية، لكن هذه المعاهدات رغم الإيجابيات إلا أنها ترتب التزامات على دولة فلسطين في ظل إطار القانون الدولي العام، حيث إن الاتفاقية تتطلب حقوقا، والتزامات، شأنها شأن الاتفاق ما بين شخصين أو أكثر، وتلزم الفلسطينيين بتغيير سلسلة من القوانين تتوافق مع الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة.
على أرض الواقع أصدرت المحكمة الدستورية الفلسطينية العليا في قرارها الصادر (بتاريخ 12 آذار/مارس 2018م) "أن المعاهدة والاتفاقية لا تعد قانوناً يطبق بفلسطين وإنما يجب أن تكتسب القوة من خلال مرورها بالمراحل الشكلية الواجب توافرها لإصدار قانون داخلي معين لإنفاذها".
وبالتالي هذه المعاهدات الموقعة لا تعتبر سارية في فلسطين إذا لم يتم إصدارها كقانون يلزم المنظومة الفلسطينية بتطبيقها، ولا بد من معرفة أن "منظمة التحرير الفلسطينية" هي صاحبة الولاية في التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات، ما يجعلنا محل مساءلة أمام المجتمع الدولي في حين تم انتهاك هذه الاتفاقيات بفلسطين وعدم تطبيقها حيث تكمن المشكلة بين (التوقيع والتطبيق).
ويعتبر قرار المحكمة الدستورية حل المجلس التشريعي الذي هو غير فاعل بالأصل، لإعادة تفعيله، خطوة لتحريك المياه الراكدة وتفعيله، ما يعود بالنفع لصالح المجتمع الفلسطيني.
لذا....
يتطلب التشاور مع الجهات والأطياف كافة، وفتح نقاش جدي والتنسيق المشترك والتعاون الجاد بين مؤسسات المجتمع الفلسطيني كافة بهدف تفعيل مضمون هذه الاتفاقيات من خلال سلسلة من الإجراءات القانونية، والتحفظ على بعض البنود بما يتلاءم مع الواقع الفلسطيني وثقافته ومكنونات هويته، وتوظيفها لخدمة الصالح العام الفلسطيني، لا لتكون محل جدل بمجتمعنا الفلسطيني وتؤثر سلباً علينا، ووسيلة ضغط على المحتل لوقف جرائمه وانتهاكاته المتواصلة بحق الإنسان الفلسطيني ومؤسساته. "فلسطين تستحق ما لا يستحقه أحد".
بقلم: فادي شاهين