يولي بعضنا اهتمامًا رئيسًا للمؤتمرات والمهرجانات ذات الطابع السياسي في الدائرتين العربية والدولية، بينما لا تحظى المعارض والمهرجانات الثقافية والاقتصادية إلّا بالقليل من الاهتمام رغم جدواها وتأثيراتها الإيجابية المباشرة.
ربما نحتاج على ضوء النجاحات في ولوج ميادين المعارض والمهرجانات العالمية، إلى لجان أو مكاتب مهنية متخصصة في الابتكار والإبداع الدعائي والإعلاني يستعان بها لإخراج أجنحة معارض فلسطين الرسمية أو الخاصة، أو لإبراز وجه فلسطين في المهرجانات والمسابقات الدولية، خاصة تلك التي تحظى بحضور جماهيري، فذاكرة الزائر أو المشاهد أو المتفرج تحفظ الأجمل والأكثر تميّزًا، ولم لا فكلنا في فلسطين نعتبر بلدنا هي الأجمل وعلينا فعلاً إقناع العالم بذلك.
تتّسم ذائقة الجمهور في أي بلد بالديمومة، بينما تتّسم ذاكرة المستوى السياسي في أي بلد بقصر العمر، ذلك أنّها تستمد حركتها الدافعة من منظومة مصالح محدّدة متبدلة متغيّرة، أمّا الذوق الجماهيري فإنه يعنى بجمالية ما يقع عليه بصره ويستمتع به سمعه، وبطيب ما يتذوّقه، ويبهره الإبداع أيا كان منشأه ومصدره، أما خصوصيات المجتمع الإنساني ذات اللمسات الحضارية كالتراث مثلا، فإنّها دائمًا تحت أضواء الرحالة والسائحين في أرجاء الأرض والباحثين عن الجمال والأفكار والفلسفة وأنماط حياة الجذور الإنسانية المشتركة.
استوقفتني ذاكرتي في هذه اللحظات عند صفحة الفنانة منى السعودي (نحّاتة) فلسطينية عالمية، كنتُ قد تشرفت بالعمل معها في مركز الفنون التشكيلية التابع لدائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية وكان رئيسها الدكتور عبد الله الحوراني -رحمه الله – فمن هذا المركز أرسلت رئيسته منى السعودي عشرات المعارض التشكيلية الفلسطينية إلى عواصم أوروبية وأغلبها كانت تنظم في الدول الاسكندنافية، ضم كل منها لوحات لأشهر الفنانين التشكيليين الفلسطينيين.
كانت السعودي تعي معنى بيان الشخصية الحضارية للفلسطيني المناضل من أجل الحرية، وكانت حريصة على انتقاء أعمال مميزة تبرز القدرة الإبداعية للفلسطيني الفنان وتقدم الرواية الفلسطينية السياسية ولكن عبر رسائل فنية تعبيرية تشكيلية بمعايير جمالية، فالفنون لغة إنسانية لا تحتاج لحروف أبجدية بقدر ما تحتاج إلى اعتناق المحبة والسلام لقراءة قاموس من قواميسها المتجسّمة في لوحة أو منحوتة.
قرأتُ بالأمس خبر مشاركة فلسطين في معرض بكين الدولي للبستنة 2019، وإشادة سفيرنا في بلاد السور العظيم فريز مهداوي بالتسهيلات التي قدمتها الجهات الصينية المنظمة للمعرض، ومما قاله سفير فلسطين في عاصمة هذه الدولة العظمى: "إنَّ المنتجات الفلسطينية تتمتَّع بجودة عالية ومعروفة عالميًّا مثل الزيتون، والحمضيات، والتين، والتمر.. وتُعرَض في الجناح الفلسطيني منتجات زراعية مميزة ونباتات وزهور، ومشغولات تراثية تذكارية بخصوصية فلسطينية ما أتاح للصينيين الزائرين والأجانب فرصة للتعرف على فلسطين الحضارية وتراث وثقافة الشعب الفلسطيني بشكل أفضل".
صحيح أنَّ مشاركة فلسطين في مثل هذه المعارض تفتح لها آفاقًا اقتصادية وأسواقًا عالمية جديدة لمنتجاتها كما قال السفير، وهذا هدف مهم يجب وضعه في مرتبة الأهمية، لكنّ الأهم بالنسبة لنا يبقى العائد السياسي باعتباره الهدف رقم واحد بالنسبة لنا نحن في فلسطين بحكم نضالنا التحرري وكفاحنا ضد الاحتلال والاستيطان العنصري الإسرائيلي ولجذب أنظار شعوب العالم وعقولهم وأفئدتهم نحو قضيتنا، ونعتقد أن أي دولة يعمل ساستها للدخول في مسارات ومدارات الحياة الاقتصادية في أي مكان في العالم ما هو إلا تعبير عن الرغبة في إثبات الوجود الحضاري والسياسي في آن واحد.
سنكسب قلوب وعقول الناس أكثر إن ثابرنا على تطوير نجاحاتنا في هكذا مسارات فنثر زهور فلسطين، وزيتون القدس وتمر أريحا في كل بقعة من بقاع الدنيا، ليس أقل شأنا من رفع صوت فلسطين في المحافل السياسية الدولية، فلهذا المسار متطلباته ولذاك قواعده وقوانينه.
بإمكاننا حصاد عوائد سياسية ومادية واقتصادية من مشاركات فلسطين في معارض عربية ودولية أجنبية، وبإمكاننا تخيّل العائد السياسي إذا استطعنا توجيه الزوار نحو جناح فلسطين بكفاءة، إذا علمنا أنَّ أبواب معرض بكين الدولي للبستنة 2019 مثلاً، ستبقى مشرّعة على مدى 162 يومًا ويشارك فيه أكثر من 110 دول ومنظمة دولية وأكثر من 120 جهة عارضة، علمًا أن أرقام المشاركة هذه هي الأعلى في تاريخ المعرض.