لا يحمل حزيران إلا أخبار النكسات والخيبات على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية منذ بداية الصراع ونشوء القضية الفلسطينية، وهذه الأيام يتم الحديث عن إضافة سلبية جديدة لسلسلة نكسات شهر حزيران، إنها ما يطلق عليها ورشة السلام والاقتصاد والازدهار التي تستضيفها مملكة البحرين، ورشة لإطلاق الشق الاقتصادي مما يطلق عليه " صفقة القرن"، ومن نافلة القول أن منطق كلمة الصفقة يفترض وجود طرفين، تفاوضا وتوصلا بعد طول او قصر الزمن الى اتفاق قد يسمى صفقة تاريخية بتراضي الطرفين، وهذا يختلف تماماً عما جاء في "صفقة القرن " المرتبة بمواصفات محددة ومسبقة من طرف واحد ولخدمة أهداف وغايات طرف واحد، تتجسد في تأبيد الاحتلال على الارض وفرض التطبيع بشكل رسمي واغلاق ملف العودة وتشريد أو توطين اللاجئين، لذلك فان قراءة عنوان هذه الصفقة يشير الى أن هناك مساحة كبيرة بين الحلول التفاوضية التي تفضي الى اتفاق مرضي عنه، وبين صفقات البيع والاذعان، فهناك فرق بين النوايا الصادقة والحلول المنصفة والتي تكون ظاهرةً للعيان، والحلول الخبيثة التي تتستر خلف أي شيء، مرةً باستخدام أسلوب التضليل الكاذب ومرةً أخرى بالاختباء خلف ورقة توت حتى وإن كانت جافة او تم استخدامها من قبل الكثيرين سابقاً، هذا هو حال ما بات يعرف بصفقة أو عورة القرن، تعتيم وتضليل ومحاولات لتجميع أقصى ما يمكن من ورق التوت لتمويه عملية تمرير مكونات الصفقة بأقصى درجات التعتيم، فمنذ وصول الادارة الجديدة للبيت الابيض ونحن نشهد تغييرات ملحوظة في الشكل الخارجي لتنفيذ السياسات والقرارات الصادرة عن هذهالادارة، خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تنطوي هذه القرارات على تعقيدات اضافية لمسيرة التحرر وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، فالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية الى القدس، والاعتراف بسيادة الاحتلال على مرتفعات الجولان، وغيرها مما لا نعلم ولكنه في الطريق، كلها أعباء اضافية على الشعب والقضية الفلسطينية، ولكن كلنا يعلم بأن هذه الاجراءات ليست جديدة أو مفاجئة، والأمر الجديد أنها خرجت الى العلن وعلى الشكل الفاضح وهو الشكل غير المعتاد في البروتوكول السياسي في هذه الحالات في المنطقة!.
فعلى أرض الواقع تسعى الادارة الأميركية وحلفاؤها لتمرير صفقة القرن قطرة قطرة, ضمن سيناريو يتجاهل العامل الفلسطيني الرسمي، فقد تم تمرير المقدمات الأولى، والمتمثلة بموضوع القدس والجولان، وبدأ الالتفاف على ملف اللاجئين وحق العودة من خلال بوابة اضعاف وانهاء مستقبل الاونروا، لان تجفيف مواردها المالية وغير المالية سيؤدي الى ضعفها وتلاشي دورها من الناحية العملية أو حتى في نظر المستفيدين من خدماتها ضمن ولايتها الجغرافية، وبالتالي سهولة انهائها، وهذا يعني اقفال أحد رموز وأحد ثوابت العمل الوطني والمتمثل بقضية اللاجئين وحق العودة، فالإجهاز على هاتين الركيزتين من وجهة نظر أصحاب صفقة القرن، سيفتح الطريق واسعا لتعاونات واتفاقات وخارطة شراكات اقليمية جديدة، وينقل الحديث من ملعب حق العودة، الى صعوبات توفير الاحتياجات اللازمة للاجئين من حيث التسكين والتوطين وغيرها من القضايا الاجرائية المتصلة بحياة الانسان في المخيمات!.
انها نفس النظرية الاميركية القديمة،لا حلول جذرية لأسباب الصراع وانعكاساته، وانما مقترحات غير مترابطة لتقديم افكار لإدارة الصراع، بمعنى تبريد الواقع الفلسطيني لدرجة عدم الموت، أو عدم الوصول الى حالة من الانفجار بسبب الظروف، هي استمرار لفكر واستراتيجية مشروع "الخطوة ... خطوة" وغيرها من مشاريع وزراء خارجية الأميركية المتعاقبين على السياسة الخارجية منذ سبعينيات القرن الماضي!.
مع الخطوات المعلنة من الصفقة المجهولة التي لا يعلم بها الا اصحابها، كان لا بد من اثارة الدخان الكثيف لضمان المزيد من حالة عدم الرؤيا للمتابعين،  بهدف تحقيق أمرين, الأول: اشغال الناس عن التفكير أو الحديث أو اتخاذ أية ردود أفعال عن الخطوات السابقة، وخلق حالة من التقبل الصامت لها، وعدم خلق بيئة محفزة للوحدة او التناغم الشعبي لرفضها، والثاني: خلق حالة واهتمام وتساؤل عن طبيعة الخطوات اللاحقة، ليبقى الناس خارج دائرة الجاهزية لمواجهة خطوات التنفيذ على أرض الواقع، ولذلك يتم ابتداع جبهات جديدة لتشتيت الاهتمام، وهذه المرة يتم تجهيز المسرح لعرض ورشة المنامة لهذه المهمة والتي سيتذكرها التاريخ والمستقبل بسيل من اللعنات.
في هذا السياق يجري الحديث عن استضافة مملكة البحرين لورشة دولية حول اقتصاد السلام، بتصميم ورعاية من أصحاب مشروع صفقة القرن، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال، هل قام المعنيون بالورشة بالتحقق من انه يوجد سلام على أرض الواقع لتبدأ عملية بناء الاقتصادات المزدهرة بعد رحيل الاحتلال؟ أم أن الهدف هو تمكين الاحتلال داخل وخارج الأراضي الفلسطينية وبناء منصة تكريمية لرموز الاحتلال واطلاقه رسميا في المنطقة؟.
الاجابة القطعية انه لم يتم الاخذ بعين الاعتبار ان الاحتلال هو سبب كل المصائب في كل مكان، فالاحتلال ما زال يتمدد من خلال الاستيطان والاجراءات القمعية صباحا ومساءً تحت أعين الاقليم والعالم، والاستثمار في اقتصاد السلام يحتاج لبيئة قانونية وتشريعية راسخة حتى تكون عملية الاستثمار في اقتصاد السلام جاذبة وذات طبيعة مستدامة، ولكن غياب أصحاب الشأن الحقيقيين وأصحاب الحق عن المحفل يفقده مبرر وجوده، فالسلام لا يتم بالنيابة، والاستقرار لا يتحقق الا من خلال إيجاد حلول جذرية وعادلة لأسباب الصراع، والعيش بأمن وسلام لا يكون على حساب طرف لصالح طرف، فقضية فلسطين هي مجموعة ثوابت توحدت ودافعت عنها الأجيال عبر عقود من النضال والكفاح، هي حقوق تاريخية لشعب ملتزم بقضيته العادلة، وصاحب مبادرة تاريخية لحل الصراع على أساس الدولتين، ودون الصوت الفلسطيني لن يكتب لأي ورشة البقاء على قيد الحياة،  وستكتب شهادة وفاتها بنفسها قبل أن تطلق نفسها للنور.
وبالنظر الى واقع ما يرشح من معلومات عن هذه الورشة، وعن سياقها ضمن خطوات تمرير حلول دخانية وليست حقيقية للقضية الفلسطينية، تظهر تحولات اقليمية ودولية مؤقتة، فبعض الاطراف او القوى تنظر الى الورشة كمدخل لفتح صفحة جديدة من العلاقات والتحالفات الاقليمية، والبعض يراها جسراً  او طوقاً للنجاة والتقارب معأصحاب المشروع، كلها قراءات خاطئة لتاريخ وجغرافيا الصراع، قراءة مغلوطة لقوة الحق وتجارب الشعوب تحت الاحتلال، فأنصاف الحلول تفارقالحياة قبلأصحابها وقبل أن يغادروا المكان، ومحاولات ذر الرماد في العيون تدمي عيون أصحابها قبل أن تصل الى أقدام الآخرين، هكذا انتصرت الشعوب في كل مكان، وهكذا سينتصر شعبنا على الاحتلال اليوم او غداً او بعد حين!.
قد تعقد ورشة البحرين بمن حضر، وقد تصدح الأصوات المنادية بضرورة الدعم، وقد تعلو أصوات التعاون باعتباره تحالفا من أجل السلام وليس مجرد لقاء للإعلام، وقد تقدم الوعود لتحويل المخيمات الى مدن ذكية حيثما تكون، وقد ينادي المنادي بسطوع شمس ميلاد جديد لشرق أوسط خال من كل معالم النكبة والنزوح، ولكن ما لا يدركه المتراكضون الى هذه الورشة، انه طالما لم تحضرفلسطينعلى رأس الطاولة فان كل شيء مصيره الفشل، وان اي ورشة لا تكون حقيقية ضمن خطة تفضي لإنهاء الاحتلال فهي مضيعة للوقت ليس الا، ينبغي استثمار كافة الجهود للضغط على الاحتلال لتطبيق القرارات الدولية واستكمال ما تبقى من خطوات مما تم الاتفاق عليه، نحن بحاجة لحلول عملية تنهي الاحتلال وتؤسس لمساحة من الاستقرار والأمن لشعوب المنطقة لتحيا بسلام، وتستثمر طاقاتها من أجل الازدهار.
اخيراً لا ورشة البحرين ولا مؤتمرات غيرها ستكون حلاً بالنيابة عن الفلسطيني، فالفلسطيني هو صمام الأمان والشرط الأساسي لأي عملية أو حل، وهكذا مبادرات سيكون مصيرها الفشل قبل حفل الإعلان عن انتهائها، ولكن في مواجهة هذه الورشة وتداعياتها يتفق ويصطف الفلسطينيون وأصدقاؤهم من كل أطيافهم وألوانهم السياسية وفي كافة أماكن تواجدهم ضد تمرير هذه الصفقة من البحرين أو من غيرها من الملاعب الأميركية..