بينما تخوض القيادة الشرعية الفلسطينية على رأس شعبها الفلسطيني معركة كبرى بهدف إسقاط صفقة القرن الأمريكية وليدها غير الشرعي الممثل بورشة البحرين، تداهمنا ذكرى سوداء قاسية هي الذكرى الثانية عشرة لوقوع الانقلاب العار والانقسام الأسود على يد "حماس" التي تورّطت فيه، وذهبت إليه بعيون مفتوحة لكن لا ترى، وبإصرار عنيد على الخروج من كل أولويات الشعب الفلسطيني والانحياز بفظاعة إلى الأعداء، وهي تعرف من اللحظة الأولى أنَّ هذا الانقسام فكرة وتخطيطًا وتنفيذًا صناعة إسرائيلية مئة في المئة.
إنَّ هذا الانقسام لا ينتج عنه سوى الانكشاف والسقوط، وإنَّ أعداءنا جميعًا من الاحتلال الإسرائيلي، والعدو الأميركي والمطبّعين العرب استخدموه ببشاعة من أجل التنصُّل من كلّ التزاماتهم المرتبطة بالقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية وتوازنات النظام الدولي إلى حد التصريح العلني بأنَّ الشعب الفلسطيني، لا حقوق له سوى حق الوجود حيًّا، أي أنَّ سقفه فقط هو مجرّد البقاء، بقاء تتحكَّم فيه (إسرائيل) بشكل كامل وتحت سقف معادلة لا يقدر أن يطيقها أحد، فما تقول (إسرائيل) إنّه لازم لها أن تضع يدها عليه مثلما قالت، وتقول عن القدس والضفة الغربية والجولان السوري وتلال شبعا ومن يدري ماذا بعد؟ لعلَّ هذا الـ"ما بعد" يتَّضح في ورشة المنامة التي تستضيفها مملكة البحرين مع أنَّ عدونا الإسرائيلي محشوة خرافته بالمطالبات الكبرى، فهم يدَّعون أنّهم الذين بنوا الأهرام، وأنّهم هم الذين كانوا في مكة والمدينة ومعروفة مقولتهم التي يرددونها من الفرات إلى النيل، أرضك يا (إسرائيل).
هل تناقض الانقسام الأسود مع هذه المقولات الإسرائيلية ولو للحظة واحدة؟! بعد الانقسام مباشرة في الحرب الأولى على غزة شنَّ الإسرائيليون غارات مكثّفة على مقرّات الشرطة أدَّت إلى استشهاد أكثر من مئتي مواطن، وقامت "حماس" وقتها بإصدار بيان توضيحي يقول إنَّ هؤلاء الذين استهدفتهم (إسرائيل) ليسوا من أبناء "حماس"!! هكذا هو الأمر إذًا، ولا تزال "حماس" على الوتيرة نفسها، اتفاقات وراء اتفاقات من أجل المصالحة ولكن دون ذرة واحدة من التنفيذ ودون خطوة واحدة من التقدُّم وأناشيد بصوت عال عن التفاهمات مع (إسرائيل) وعن صفقات مع (إسرائيل) وعن إنجازات بشأن مساحة الصيد البحري، وعن، وعن لا شيء سوى أناشيد وأغنيات الوهم وأمنيات الخديعة وآخرها سخرية محمود الزهار أبله الحارة، من مشروعنا الوطني حول إقامة الدولة الفلسطينية!! أعرف أنَّ "حماس" تحتقره جدًّا، ولكنَّها تستبقيه لكي يلعب هذا الدور الهزلي ليس إلّا، ويبقى الحال على هذا المنوال "حماس" تذهب حتى إلى الشيطان، ولكنَّها لا تذهب إلى أولويات فلسطين، حتى عندما يصل شعبها إلى ذروة المعركة كما هو الوضع الآن، فإنَّها تهرب إلى هروبياتها، فالمصالحة عندها هي الموت الزؤام، وشعبها الفلسطيني هو عدوها الأول.
كشف حساب بسيط يقول لنا بوضوح إنَّ اثني عشر عامًا من الانقسام انقضت بمزيد من الخسائر وهذا أمر طبيعي، هل (إسرائيل) صمَّمت معادلة الانقسام من أجل مصلحة الفلسطينيين؟ أم من أجل جعل حقوقهم العادلة مستحيلة التحقيق، ثُمّ اتهامنا بعد ذلك مع حلفائهم الأميركيين بأنَّنا شعب غير مؤهَّل ليحكم نفسه في دولة مستقلة؟؟
معركتنا الآن مع صفقة القرن التي تتراكم أمامها مآزق ترامب الذي يفعل أي شيء ليهرب منها؛ لأنَّ أبواب الجحيم مفتوحة أمامه، ومفتوحة أمام حليفه نتنياهو إلى السقوط فهذه الصفقة الميتة تجري محاولة لإحيائها من خلال ورشة البحرين، ولكنَّنا سنفشل هذه الورشة وليكن ما يكون، سبعون عامًا وأكثر منذ النكبة، وهم يحاولون أن يهيلوا علينا التراب، ونحن ننهض ونقوم من جديد.