إيمان طفلة لم تتجاوز الستة عشر ربيعًا لا تعرف معنى السحر والجن والشعوذة، وحتى لم تعرف معنى أن تكون مريضة وما يلزمها من علاج، وأهلها كانوا يبحثون عن أية وسيلة لعلاجها وقد لا تكون مريضة، لكن لم تجد من يفهمها.
صديق العائلة الذي أرشدهم لشخص "شيخ" كما درجت العادة في المجتمع على تسمية "المشعوذ" بهذا المصطلح، وأحضره للمنزل، وبدأ بضربها وتوجيه اللكمات لها وهي لا تعرف ما معنى هذه اللكمات، وما هو سبب ضربها بهذه الطريقة، كما أنَّها لم تعرف سبب مسك فمها ورقبتها وخنقها، ومسكها بحجة أنه يقوم بإخراج أربعة من الجن سكنوا جسدها حسب ما اكتشف "الشيخ المشعوذ"، وأنّه أخرج ثلاثة منهم والرابع يرفض الخروج ويستعصم ويتمنع عن ذلك، والسبيل لخروجه كما يظن "الشيخ المشعوذ " مزيد من الضرب والصراخ والخنق.
أُخرج.. أُخرج.. تتبعها طلاسم غير مفهومة، وكأنّه يتحدَّث إلى الجني المسمَّى "مارد" كما يقول المشعوذ، ويسمعها أشقاء إيمان في شغفٍ وترقُّب ومراقبة لفهمه بانتظار سماع كلمة "خرج" ليُعلنوا شفاء شقيقتهم.. ولكنّهم ولامتداد العلاج والضرب لها يقفون حائرين، وفي حالة عذاب مع الضمير هل أصابوا أم أخطأوا بإحضاره؟ وهل سينجح بإعادة إيمان صاحبة الضحكة الجميلة والروح المرحة لطبيعتها التي اعتادوا عليها تفرح وتمرح وتمازح؟ وهل سيسمعون منها وعودها بأن تكون مبدعة في مدرستها وتُحضر لهم يومًا شهادتها الجامعية بتفوق لترفع رؤوسهم عالية؟!
تنظر إيمان.. تنظر إلى هذا المشعوذ الذي لم يراعِ طفولتها وجسمها الرقيق الذي لا يحتمل نسمة هواء، فكيف تحتمل أيادٍ إذا ضربت على الخشب كسرته، بنظرات الاستغراب وحالها يقول: كفاك دجلاً، كفاك كذبًا، كفاك نصبًا واحتيالاً، كفاك ضربًا لطفلة صغيرة، دون أي اكتراث منه ودون أي مراعاة لخصوصيتها كطفلة، فهدفه فقط أن يقول لهم إنّني أخرجت الجن والسحر فهاتوا المعلوم، ليس لي وإنما للأسياد الذين ساعدوني كحال كل الدجّالين والنصّابين المشعوذين الذي يسيطرون على عقول بعض الناس بكلمات حفظوها من بعض كتب السحر.
ساعات طويلة وإيمان تتعرّض للاعتداء بالضرب، وتقول لمن حولها: "أنا أموت هل من منقذ؟ هل من مُتّعظ؟ هل من مسعف؟ أبعدوه عني، ارحموني لا تجعلوه يقتلني وأنتم صامتون، إخوتي ..أبي، إنّه يكذب، إنّه يؤذيني ويؤلمني، إنه يقتلني، يخنقني لا يعالجني. إنّني لم أعد قادرة على أخذ نَفسي..". ترفع يدها دون جدوى. تحاول تحريك جسدها ولكنّه تمكّن من تثبيته بقوة. وبعد كل هذه المحاولات ونظراتها المعاتبة، تتسلَّل روحها من بين أضلعها لتعانق السماء وتسلم لبارئها وخالقها بكل هدوء فهو الرحمن الرحيم. ويرقد جسدها على سرير خصص لعلاجها من السحر كما يظنون، ولم يعلموا أنه أصبح نعشها الذي ستموت عليه، وأصبحت إيمان جثة هامدة لتموت كل أحلامها وتقتل براءتها على يد هذا المشعوذ.
ورغم شعوره بما حصل، وتيقنه أن روحها فارقت جسدها فإنَّ المشعوذ ظلَّ يكابر ويقول بكل ثقة ليُبرّئ نفسه من جريمة ارتكبها بحق طفلة "إنني لم اقتلها وقتلها الجن الرابع واسمه مارد الذي لم يستطع الخروج منها"... كفانا تصديقًا للمشعوذين.
*الناطق الإعلامي بِاسم الشرطة
العقيد لؤي أرزيقات