في سابقةٍ هي الأولى من نوعها في تاريخ هذه الدولة الإسرائيلية العجيبة، التي نشأت على أشلاء الشعب الفلسطيني، وعلى وجع نكبته منذ واحد وسبعين عامًا، لم يستطِع نتنياهو تشكيل الحكومة ومعه حزب الليكود الذي صعد إلى صناعة المصير الإسرائيلي في عام 1977 بقيادة مناحم بيجن الذي انتهى به الأمر -رغم إنجازه الخارق بعقدِ معاهدة سلام مع الشقيقة الكبرى مصر في أعقاب حرب تشرين المجيدة- إلى العزلة الاختيارية، لأنَّ الدولة الإسرائيلية دأبت على إنتاج قيادات شيطانية لا تُقيم وزنًا للاتفاقات، ولا للمعاهدات، ولا لقواعد القانون الدولي، ولا للأخلاق ولو بالحدِّ الأدنى، مثل الجنرال شارون الذي ارتكب مجزرة صبرا وشاتيلا بعد اتفاق دولي رعتهُ أميركا عبر مبعوثها فيليب حبيب، فانتهزَ شارون فرصة خروج قوات منظّمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982، ودبّر مجزرة باهظة جدًّا ضدَّ المدنيين الفلسطينيين العُزَّل من رجال ونساء وأطفال، الأمر الذي أدى بشارون بعد ذلك بالدخول في مرحلة الغياب والموت لسنوات طويلة إلى أن اتّخذ القرار بإطفاء الأجهزة التي كانت تعيش بدلاً منه، وذهب مباشرة إلى سواد الذاكرة ولعنة الجحيم.

أمَّا نتنياهو، فهو الذي انقلب على اتّفاق شهير جدًّا تمَّ التوقيع عليه في حديقة البيت الأبيض عام 1993، وعندما جاء دونالد ترمب إلى البيت الأبيض فإنّه سلَّم روحه لنتنياهو، أصبح الرجل بلا روح سوى أشباح الجنون التي تطارده، فقدَّم الهدايا الشيطانية لحليفه نتنياهو، وحاول في الأيام الأخيرة منع نتنياهو من السقوط، ولكن بلا فائدة، لماذا، لأنَّ الحليفين الشريرين نتنياهو وترمب اشتركا في مواجهة استهتار وغباء واحدة، ألا وهي التقليل من الذكاء الخارق، واليقين الساطع للقيادة الشرعية الفلسطينية بعد أن أحاطوها بكورَس تافه لا يُجيد سوى ترديد أناشيد التطبيع القذرة، فأدمنها الحليفان نتنياهو وترمب، أدمناها حتى صدقاها!!! يا لكما من غبيَّين لا تعرفان شيئًا سوى أوهامكما، وعلى أعتاب القيادة الشرعية الفلسطينية وشعبها العظيم سقط نتنياهو، كان يعتقد أن ترمب سيساعده، ولكن ترمب يعاني سكرات السقوط –على وزن سكرات الموت– بالكاد يعثر على طريقة ليساعد نفسه، إنّه وحليفه نتنياهو ينطبق عليهما المثل الشعبي "جبتك يا عبد المعين لتعيني، لقيتك يا عبد المعين تتسوّل كيف تنعان"، بل إنَّ نتياهو في سقوطه جرف معه حزب الليكود، لأنَّ الليكود كان يجب أن يبادر إلى رمي نتنياهو إلى المزبلة، واختيار قائد جديد، هل لا يوجد عند الليكود بديل سوى هذا الفاسد الكاذب؟! بدلاً من ذلك، جرى حلُّ الكنيست والدعوة إلى انتخابات جديدة بعد فترة بسيطة، وقد ظهر العالم الآن متفرّغًا لإسقاط ترمب على قاعدة أنَّه استخفَّ بالقضية الفلسطينية وشعبها وقيادتها الشرعية فأصبح لا يليق به سوى السقوط، أو لعلَّ الشيء الوحيد الذي ربما ينقذه هو الإعلان الرسمي عن الجنون، وأعتقد أنَّ دونالد ترمب أصبح قريب جدًّا من هذه المرحلة، فهو يقول عن كلمة "العزل" إنّها أسوأ كلمة، وهو يريد من بايدن أن يختفي!! وهو يعدُّ لمهاجمة مولر على تقريره بعد أن أشاد به ورقص على إيقاع أنَّ تقرير مولر قد قرّر براءته، وثبت أنَّ هذا الفهم ليس سوى جنون، وهو أرسل جيشه لعقد ورشة في منامة البحرين على اعتبار أنَّ –أي ترمب– اكتشف الخاتم السحري، بأنَّ القضية الفلسطينية ليست سوى لقمة خبز، يا لكَ من أحمق تخون مسيحك، فالسيّد المسيح هو الذي قال: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".

يا أيّها الفلسطينيون، طوبى لكم، يا شعب القيامة المتجدِّدة، النّصر صبرُ ساعة، والتاريخ يتأهَّل لكي يحضر عندكم، فإلى الصمود، إلى النّصر.