كفل القانون الفلسطيني لأيِّ مجموعة أشخاص بتشكيل الإطار الذي يناسبهم للتعبير عن توجهاتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ولم يضع النظام الأساسي حجرًا على أيِّ كان لتأسيس جمعية أو حزب وفق المعايير، التي لا تتعارض مع روح الهُويّة والشخصية والمصالح الوطنية، لا بل أكّد القانون أهمية التعددية، وحرية الرأي والتعبير والتنظيم. واعتبر التنافس الفكري والسياسي والمعرفي في أوساط المجتمع الفلسطيني إثراءً وإغناءً للمجتمع وتطوره.
ولكن هناك فرقٌ بين تأسيس حزب سياسي، بغض النظر عن خلفيته الفكرية والعقائدية والسياسية، وإن كان يقف في صف الموالاة أو المعارضة، وبين حزب ولد في أحضان مستعمرة "أريئيل"، أو تعمَّد في مستعمرة "كريات أربع"، أو بخَّرته السفارة الأميركية، ورشَّت عليه دولاراتها المسمومة، وسعت لتسويق شخوصه في المنتديات الأوروبية والأميركية. فشتان بين حزب وحزب، بين حزب يحمل في مركباته الفكرية والسياسية والثقافية حوامل استنهاض للمجتمع، وبين حزب وُلِدَ ميتًا، وساقطًا في أكثر المستنقعات الآسنة، وجاء ليشكل أداة تمزيق إضافية لخدمة أغراض الواقفين خلفه، والداعمين له، والمروّجين لبضاعته الفاسدة.
ظهر في المشهد الفلسطيني مؤخّرًا حزب أُطلِق عليه "حزب الإصلاح والتنمية الفلسطيني"، الذي أعلن عن تأسيسه في الأول من أيار/ مايو الحالي، وانطلق من مدينة خليل الرحمن. وهذا الحزب جرى الإعداد والترتيب له في مستعمرة "أريئيل" ومستعمرة "بيتار عليت"، وتحت إشراف ضابط المخابرات الإسرائيلية، إسحق مغرافانا، الملقَّب بـ"أبو نعيم"، وحضر اجتماعات المخاض لولادته، ديفيد فريدمان، سفير الإدارة الأميركية، وهو صهيوني متطرف ومستعمر. وكان المدعو أبو نعيم دفع قيمة المطبوعات الخاصة بالحزب (4200) شيقل، كما أن يوسي داغال، رئيس بلدية مستعمرة "أريئيل" دفع مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي بدل طعام وضيافة للحضور. بتعبير دقيق الحزب نموذج جديد من روابط القرى.
وجاء على لسان مؤسس الحزب أمام الحضور عن أهداف الحزب، فقال:  هي "إنهاء الانقسام، ومعالجة الواقع الاقتصادي". والأنكى من ذلك أنّ المذكور أكَّد أنَّ "الحزب لن يخرج عن مظلة منظمة التحرير"!، ينطبق المثل الشعبي القائل: "أسمع كلامك يعجبني، أشوف أفعالك أستغرب!"، لأنَّ ما ذكره لا يمت للحقيقة بصلة، حزب جرى الإعداد والتحضير له في داخل المستعمرات الإسرائيلية، وبرعاية جهاز "الشين بيت" الأمني، ومباركة ودعم السفير الصهيوأميركي، ديفيد فريدمان، لا يمكن أن يحمل جينًا وطنيًّا، ولا يمكن أن يكون إلا عنوانًا جديدًا لتعميق الانقسام والتشرذم داخل الصف الوطني، ولا يمكن أن يكون جزءًا من منظمة التحرير، بل أداة بيد أعدائها والمتربّصين بها، والهادفين لتمرير صفقة القرن المشؤومة.
ولا أعرف لماذا لم يسأل وأقرانه المؤسسون للحزب عن اللحظة السياسية، التي أعلنوا فيها عن ولادة حزبهم؟ لماذا لم يربطوا بين صفقة القرن، وبين نشوء حزب الروابط القروي؟ ولماذا لم يحاولوا قراءة الواقع والحرب المسعورة، التي تشنّها أميركا وإسرائيل على قيادة منظمة التحرير عموما، والرئيس أبو مازن خصوصا؟ وكيف سيعملون تحت مظلة منظمة التحرير، وعلى أيّ أساس، وما هي معاييرهم لذلك؟ وهل المنظمة إطار بلا بواب، وبلا قوانين وأنظمة ومعايير؟!
يعلم القائمون على الحزب الجديد، أنَّهم ليسوا أكثر من أداة بيد من يستهدف الشعب الفلسطيني، وعليهم عدم الوقوع في دوامة خلط الأوراق، والا يعتقدوا للحظة أنَّ الشرط الذاتي الفلسطيني يسمح لهم، أو لغيرهم الإساءة للوطنية الفلسطينية. كما لا يجوز للقيادات السياسية والحزبية والثقافية والاقتصادية والدينية، ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات والاتحادات الشعبية الصمت على ما يجري، مطلوب من كل إنسان فلسطيني امرأة كان أم رجلاً، عجوزًا أم فتى التصدي للحزب وللقائمين عليه، لأنَّه ما هكذا تورد، أو تولد الأحزاب، التي تريد البناء والإصلاح والتعمير والنهوض بالاقتصاد، ولا حتى دعاة الدولة الواحدة، التي يقال إنَّ القائمين على الحزب من أنصار ذلك، لأنَّ من يريد الاندماج في الدولة الإسرائيلية، عليه أن يحفظ مكانته، وكرامته الوطنية والاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية والأمنية، وليس بمنطق دولة الاستعمار الإسرائيلية، ولا وفق وتشريعات "قانون القومية الأساس للدولة القومية اليهودية". أضف إلى أنَّ حكومة نتنياهو لا تريد بحال من الأحوال دمج أي مواطن فلسطيني، وترفض ذلك من حيث المبدأ. وبالتالي على مَن يدعو لذلك، أن يفكِّر ألف مرة بالكيفية، التي يحقّق فيها هذا الهدف في حال أُغلِقت الأبواب أمام خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، إلّا إذا أراد أن يكون أداةً استخباريةً لدولة الاستعمار الإسرائيلية. وعليه أتمنى على القائمين على الحزب حلَّ الحزب فورًا، والتوقّف عن التعاون مع المستعمرين الصهاينة في "أريئيل" و"كريات اربع" و" بيتار عليت" وفي وزارة الجيش أو السفارة المستعمرة الأميركية، وقطع العلاقة مع السفير الأميركي الصهيوني فريدمان، وتعزيز الروح الوطنية، لا العكس. فهل يتخلَّى القائمون على الحزب عنه، وعن مشروعهم الخطير، أم أنّهم سيبقون أسرى خيارهم، ومرجعيتهم القائمة، التي تُسيء لهم ولتاريخهم؟ ولبعض المنتسبين منهم سجل وطني، فليُحافظوا عليه، ويطهّروا أنفسهم من لوثة الهزيمة الذاتية، وينتصروا للأهداف الوطنية، ويحملوا مع أبناء شعبهم راية الحرية والاستقلال وإقامة الدولة المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، أكرم وأشرف لهم بكلِّ المعايير والمقاييس السياسية الوطنية.