طبول الحرب في المنطقة يكاد صوتها يصمُّ الآذان، الكلُّ يقول إنّه لا يريد الحرب، وفي هذا الجو فإنّه يبدو دقيقًا الكلام الذي قاله قبل أيام وزير الخارجية البريطاني بأنَّ الحرب يمكن أن تقع صدفة ونتيجة التداعيات، وليس نتيجة قرارات مسبقة، والمنطقة تستعد في الأيام المقبلة لعقد ثلاث قمم في المملكة العربية السعودية، واحدة منها عادية وهي القمّة الإسلامية، ولكن لا شيء يبقى عاديًّا في وقت غير عادي، أمّا القمتان الثانية والثالثة فهما طارئتان، فهما بسبب سرعة التصاعد في الأحداث التي أعقبت الاعتداءات الآثمة والمدانة بقوة التي حدثت مؤخّرًا في المنطقة، التعرُّض عبر طائرات دون طيار متفجّرة، ثُمّ توجيهها ضدّ محطات ضخ البترول في السعودية، واعترف الحوثيون أنَّهم مصدرها، والحوثيون معروفون الآن أنّهم جزءٌ من الذراع الإيراني، والقمتان اللّتان ستنعقدان مع القمّة الثالثة، واحدة خليجية وأخرى عربية – والمطلوب توحيد المواقف، ولكن كيف؟ ما هو إقليمي يصعد ليصبح دوليًّا، وما هو دولي يتفرَّع ليصبح إقليميًّا، والمنطقة العربية تستخدم منذ فترة طويلة لتكون هي الملعب الذي تجري فيه هذه الألعاب النارية الخطيرة.
عنصر الخطر الذي يستوجب مزيدًا من التدقيق، أنَّ طبول الحرب التي تعلو في المنطقة، سبقها حدثان مهمّان جدًّا، أولهما الثرثرة المبالغ فيها من قِبَل أميركا ترمب و(إسرائيل) نتنياهو عن صفقة القرن، وما أدراك ما صفقة القرن، لم يتم الإعلان عنها رسميًّا حتى الآن، ولكنَّ الثرثرة عنها أعلى من صوت طبول الحرب، وما سبقها من خطوات هي خطوات بمنزلة حكم إعدام لـ(إسرائيل) من قِبَل الرئيس الأميركي بلا أدنى تفسير سوى أنّه رجل غريب الأطوار، وأنّه يريد أن يبدو مختلفًا، وأنّه يريد أن يبقى في البيت الأبيض لدورة ثانية، لأنَّه متأكّد مئة في المئة أنّه إذا غادر موقعه في البيت الأبيض فهو سيقضي بقية عمره متنقّلاً من محكمة إلى أخرى ومن سجن إلى آخر في أميركا من كثرة الاتهامات الموجّهة إليه، متعلّقة بالذمة المالية، والأكاذيب، وإسكات صوت النساء المشتكيات عليه، وعمليات عرقلة القانون، وسلسلة طويلة من الاتهامات التي لا تكاد تنتهي، ما يجعله يتحالف مع نتنياهو، ويُقدِّم له هدية سامة، بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، بعد إعلانه إهداء القدس إلى (إسرائيل) وإلغاء القنصلية الأميركية في القدس وضمّها إلى السفارة، وبقيّة مفردات الحرب التي أعلنها ضد الشعب الفلسطيني، لاعتقاده أنَّ نتنياهو سيساعده على البقاء رئيسًا، مثلما أنّ نتنياهو الذي نجح في الانتخابات الأخيرة يحاول منذ فترة طويلة أن ينجح في تشكيل الحكومة ولم يستطع حتى الآن، ومدَّد له الرئيس الإسرائيلي خمسة عشر يومًا إضافية مضافةً إلى المدّة الدستورية، ولكنَّه لم ينجح في تشكيل الحكومة فهمّه لا يقتصر على تشكيل الحكومة فقط، وإنّما يريد ائتلافًا يساعده على إقرار قانون جديد للحصانة، حتى لا يتعرّض نتنياهو إلى المساءلة التي من المؤكّد أن تذهب به إلى السجن.
بعد مرور سنة على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، يبدو المشهد أكثر تعقيدًا، فالعالم كلّه رفض هذا القرار، برغم أنّ الإدارة الأميركية، وترمب على رأسها، عملت بمستوى السمسرة لكي تلحق بها دول أخرى ولكن لا فائدة، والذين نقلوا سفاراتهم ليسوا من ذوي الوزن، فالخطوة الأميركية صحيح أنّها تضر بفلسطين وشعبها، وتضر بحل الدولتين، ولكنَّها تضر بمصالح العالم، الذي يحاول ترمب تجاهله لكن ترمب ما زال غارزًا في أوحاله المتراكمة، ونتنياهو غارز في أوحال أخطر، برغم ما أشاعه الاثنان، ترمب ونتنياهو، أنّهما يتوقّعان مكاسب جديدة، وتطبيعًا واسعًا بلا ثمن، لكنَّها مجرّد أوهام، والأوهام سريعة السقوط.
في مثل هذه الحالة يتوجَّب علينا فلسطينيًّا أن نغطي الحفرة، وأن نمتلك الأهلية لكي نتقدَّم أكثر في تكريس ثوابتنا، وهذه الثوابت لا تخصُّ طرفًا دون الآخر، بل إنّ ثوابتنا هي مصدر حياة وقوة لنا جميعًا، وأولها -كما قال صديقي العزيز عبد المجيد سويلم في مقالة له في جريدة الأيام- هي المنظمة، منظمة التحرير هي بيتنا الوطني نحنُ جميعًا بكلِ عناد الأيديولوجية والسياسية أصحاب هذا البيت الوطني، ومهمّتنا أن نضاعف جهودنا للحفاظ عليه، وأيّة ادّعاءات أخرى لا يمكن أن تكون صادقة أو مبرّرة أو مفيدة، لا نريد وسط طبول الحرب، أن نعرض بيتنا الوطني للسجالات السقيمة، للمزايدات الرخيصة للبخور المقدس الذي سيحترق في رقصات الجنون، يبدو هذا كلامًا ممّلاً ومكرَّرًا من كثرة ما رددناه، ولكن وحدتنا ضرورة حياة، هل يفهم الذين في آذانهم صمم؟!