يُعرَف المشتغلون في الشأن السياسي، لا على الصعيد الفلسطيني فحسب، وإنّما العربي والإقليمي والدولي كذلك، أنَّ الرئيس أبو مازن رجل فكر وبحث وعلم وثقافة، ولعلّه من الرؤساء القلائل في هذا العالم ممن له اهتمامات جدية في الفنون التشكيلية، وهو من جامعي أعمالها اللافتة، ما يعني تطلُّعه المعرفي لتأطير الحياة الواقعية، بسموها الإنساني وعلى نحو حميم، في جماليات اللون وتشكيلاتها الإبداعية، وفي السياسة يحمل الرئيس أبو مازن شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وله من الكتب في هذا السياق ما أعطى المكتبة الفلسطينية مؤلّفات ودراسات قيمة في شؤون القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي. وفي شؤون النضال الوطني للرئيس أبو مازن تاريخ من التأسيس والتطوير والتنوير، لا الفكري فحسب، وإنّما العملياتي أيضًا، ما سجّل له مواقف تاريخية، دفعت وما زالت تدفع بنضال الحركة الوطنية الفلسطينية إلى الأمام قدمًا نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية، ويذكُرُ التاريخ أنّ صوت الرئيس أبو مازن في اجتماع مركزية "فتح" الأولى، هو الذي رجّح رأي الشروع بالانطلاقة المسلحة للثورة الفلسطينية مطلع العام خمسة وستين من القرن الماضي، ومنذ تلك اللحظة، وحتى اللحظة الراهنة، يتجلّى الرئيس أبو مازن خير مثال للمناضل الوطني الفلسطيني، بانحيازه المطلق لكلّ ما يخدم فلسطين ومشروعها التحرّري، أيًّا كانت هُويّته الحزبية أو العقائدية، ولطالما وقف الرئيس أبو مازن ضد التحزب والفئوية والعصبوية والمناطقية بكل أشكالها، وبديمقراطية "فتح" التي تجلَّت أولاً في غابة البنادق، "فتح" الرئيس أبو مازن، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الأبواب على مصارعها أمام حركة "حماس" لتدخل أطر النظام السياسي الفلسطيني، ولا نكشف سرًّا هنا أن البعض الفتحاوي كان معارضًا لذلك لأسباب تتعلّق بالاستحقاق السياسي الذي يجب أن يكون، كي تكون "حماس" من مكونات النظام السياسي الفلسطيني، لكنَّ الرئيس أبو مازن بديمقراطيته الفتحاوية والوطنية الأصيلة، رأى الحق أولاً قبل الاستحقاق، والحق أحق أن يُتّبع.
وللرئيس أبو مازن خصلة لا يُدانيه فيها اليوم في عالم السياسة احد، وهي الصدق في الحديث والموقف مهما كلَّف الثمن، وهو من أشد المناهضين لخطب الشعارات الاستهلاكية، ولا ينظر للكلمة من منظار قوتها الانتخابية، أو قدرتها على إثارة التصفيق والهتاف، قال ذات يوم إنَّ صواريخ "حماس" عبثية فقامت الدنيا ولم تقعد، عند أدعياء المقاومة، ومجموعات المقامرين والانتهازيين، واتباع التمويل الحرام، وبعد أن دخلت "التفاهمات" قاموس "حماس" السياسي، وبات نضالها يلهث وراء هذه "التفاهمات" بصياغتها الإسرائيلية، أدانت "حماس" هذه الصواريخ غير مرة، حتى أنّها اعتذرت عن إطلاقها في واقعة التصعيد قبل الأخير!!! ونورد هذا المثال لكي نرى على نحو جلي أنَّ صدق الرئيس أبو مازن في الموقف والحديث هو صدق الرؤية الصائبة، وصدق الشجاعة التي لا تخشى في الحق لومة لائم، وصدق المسؤولية الوطنية التي تفرض التصدي لمغامرات الوهم العبثية، التي تثبت تجربة "حماس" في تشبثها بكرسي الحكم في قطاع غزة المكلوم بأنّها مغامرات مدمرة، ومكلفة تمامًا، حيث انَّ ضحايا العدوان الإسرائيلي بعد كل مغامرة تصعيد، هُم من أهالينا في القطاع المكلوم، شهداء وجرحى، ومشرّدين بلا بيوت ومساكن، بعد أن يدمرها القصف الحربي الإسرائيلي، ولا تنظر "التهدئة" التي تتحّصن كل مرة بتفاهمات مضافة (!!) إلى هذا الدمار، وإلى هؤلاء الضحايا حتى أنهم في هذا الشهر الفضيل، ليسوا على قوائم معونات "حماس" الرمضانية لأنَّ هذه المعونات لعناصر "حماس" فقط بذريعة القاعدة الشرعية، الأقربون أولى بالمعروف (..!!!)، طبقا لما أعلنه القيادي الحمساوي خليل الحية، وعلى هذا يصبح ضحايا العدوان الإسرائيلي من أهالي غزة، مجرَّد غرباء في مدنهم لا يستحقون أية معونة أو مساعدة!!
كلما نظرنا إلى ما تفعله "حماس" في غزة، وإلى ما يعلنه قادتها، وما يصرحون به، وما يقولونه في خطبهم البلاغية، وما يساومون عليه، وما يتاجرون به باسم المقاومة التي لم تعد تذكر فلسطين كثيرًا بقدر ما تتحدث عن كسر حدة الحصار كغاية استراتيجية، وكلّما رأينا ونرى اشتداد الحرب الأميركية الإسرائيلية ضد الشرعية الفلسطينية ومشروعها التحرري بحصارها المالي وتحريضها المحموم ضد الرئيس أبو مازن، كلما رأينا كل ذلك، وكلما أدركنا تاريخه وحاضره النضالي المعطاء بأمانة وموضوعية، نرى الرئيس أبو مازن خير مثال للمناضل الوطني والإنساني معًا، في صدقه ووضوحه وصلابته في حرصه على المصلحة الوطنية العليا بكل شؤونها وتطلعاتها الوطنية والإنسانية العادلة والمشروعة، وفي حرصه على تحقيق السلام القائم على الحق والعدل بدولة فلسطين السيدة وعاصمتها القدس الشرقية، ولهذا، الرئيس أبو مازن ليس قدوة وطنية فحسب، بل وعالمية وإنسانية كذلك، ونفخر تمامًا أنّه قدوتنا.