في مقهى شعبي وسط مخيم جباليا شمال غزة، تجمع شبان معظمهم في العشرينات من العمر، يحدقون في هواتفهم النقالة وأصابعهم لم تكف عن الحركة لأعلى وأسفل، يتابعون تغريدات لأشخاص ومؤسسات على منصات التواصل الاجتماعي والرد عليها وتفنيدها، إن لزم الأمر، كما قال بعضهم.

ويصف الشبان أنفسهم بجنود متطوعين في "جيش الهبد الالكتروني"، وهي ظاهرة انتشرت قبل عدة أيام على منصات التواصل الاجتماعي، بهدف رصد التغريدات الكاذبة والمضلِّلة وتفنيدها والرد عليها كما يقول صاحب الفكرة، أحمد جودة (25 عاما(.

وأشار جودة خريج كلية الهندسة إلى أن الهدف من الفكرة كان في البداية محاربة "الاستهبال والاستغفال" الذي يُمارس، محليا، من قبل أشخاص وجِهات إعلامية وغير إعلامية بحق الجمهور.

"كان يجب تعرية المستهبِلين بأسلوب استهبالي يفنّد الأكاذيب، لكنها توسعت وأصبحت أيضا قومية،" قال جودة الذي يقطن في المخيم.

وكشف أن الفكرة جاءته بعد الافراج عنه من سجون حماس على إثر مشاركته في حراك "بدنا نعيش"، في مارس المنصرم، الذي خرجت فيه مظاهرات في غزة تطالب بتحسين الظروف المعيشية.

لا أرغب الاصطدام مع أحد في غزة، لذا لجأت لفكرة الانتقاد الساخر عبر المصطلح "إهبد".

ويُعرّف "قاموس المعاني"، على الشبكة العنكبوتية، الفعل "هَبَدَ" بمعنى "كسَره" و"جناه" و"طبخه"، وتعريفات أخرى. أما شعبياً في الشارع الفلسطيني (الغزي) فيُقصد به سَحَق/ حَطّم/ هزَم.

وأول ما تم "هبده" هو خبر نشرته وكالة محلية في غزة بعد تحويره عن حالات الانتحار في الضفة الغربية، "هبدناهم وحذفوا الخبر،" قال جودة.

لكن، والحديث لجودة، بدأ العمل يتوسع ليخرج عن الإطار المحلي عندما نشرت "ناشيونال جيوغرافك" صورة لحيوان وُصف أنه في "صحراء جوديا [يهودا] الإسرائيلية".

نشرنا الأكذوبة و"هجمنا" بآلاف التعليقات المنتقدة ما أجبر المؤسسة على تعديل المنشور".

وأشار جودة، الذي انضم لصفوف البطالة ويفكر بالهجرة بحثا عن عمل، أنه يضع الآن أشبه بقاعدة سلوكيات لجيش الهبد تتلخص في الابتعاد عن الشتائم والحزبية ونشر حقائق فقط.

الباحث في "الدبلوماسية الرقمية" حسن الداودي، (24 عاما) أحد "أركان" الجيش قال: إن الفكرة ينطبق عليها وصف "الدبلوماسية الرقمية الشعبية" وهي أسلوب اعلامي ودبلوماسي لكنه غير رسمي يقوم عليه متطوعون بشكل محض ولا يتبع أي لون سياسي.

وأشار الداودي، إلى أن من مميزات هذا العمل هو أنه غير مكلف، فكل ما يلزم هو استخدام الحاسوب الشخصي أو الهاتف الذكي وحساب على صفحات التواصل.

"لكن التسليح الحقيقي للنشطاء هو المعرفة والمعلومات الدقيقة ومهارة المتابعة والبحث،" قال داود.

وأشار إلى أن كل التصميمات "غرافيك" والترجمات والصور ورسوم كرتونية وفيديو هي مساهمات من متطوعين، "استخدمنا في موجة التصعيد الأخيرة 25 لغة، يساعدنا مترجمون ونستخدم الترجمة الالكترونية أيضا".

ويعتقد الداودي، الذي يقطن في رفح جنوب القطاع، أن من أبرز ما قام به الشركاء في النشاط هو إرسال آلاف الرسائل الاحتجاجية لمحرك البحث العالمي "غوغل" بسبب رفعه علم دولة الاحتلال في احتفالات إقامة دولتهم.

"بعد رسائلنا اختفى العلم وبقي فقط في "الدومين [المجال الالكتروني]" الذي ينتهي برمز دولة الاحتلال il.

وحذف أحد النشطاء الإسرائيليين المشهورين فيديو "حالات هلع" لإسرائيليين وذلك بعد التعليق عليه بصور استشهاد أطفال فلسطينيين في القصف الإسرائيلي الأخير، وفقا لداود.

ونوه الباحث في الدبلوماسية الرقمية إلى أن العمل توسع ليتم التوجه ل"الهبد الودود" ويتلخص في ارسال رسائل شكر وتقدير لمن ينشرون الحقيقة أو يتخذون مواقف تدعم عدالة القضية الفلسطينية.

"شكرنا مغني أميركي بآلاف التعليقات لإشادته بغزة، وهنأنا الأمير هاري بمولوده، وتمنينا له حياة جيدة بعيدة عن قصف الصواريخ الإسرائيلية مثل أطفال غزة،" قال الداودي.

وأشار إلى أن المسألة ليست تعليقات وصور فقط بل أيضا يتخللها حوارات على "صناديق" المحادثات في منصات التواصل. "لذا المسألة ليست سهلة، تحتاج لمعرفة وثقافة عامة ووقت وجهد.

وكشف الداودي أن أبرز ما يزعج هو أن الإسرائيليين يعتمدون في نشاطهم الالكتروني على صور وفيديوهات من مصادر فلسطينية "صور تظهرنا كأن قوتنا توازي كوريا الشمالية".

كذلك وجود بعض المحبِطين الذين يقللوا من شأن مجهودهم، "متثاقفين لا أعرف لماذا يعترضون، ولا أفهم فلسفتهم وأغلبهم يتميزون بالخمول، إذا كنا مخطئين فليقوموننا."

لكنه استدرك أن نشاطهم يلقى ترحيبا وتشجيعا من اعلاميين وصحفيين كُثر لا يبخلون عليهم بالنصائح.

ومما قام به "الجيش" هو تغريدات ورسائل ومناشدات لفريق كرة القدم الإسباني "أتليتيكو مدريد" بعدم اللعب مع فريق إسرائيلي في القدس لأنها أرض محتلة، مشيرين لانتهاكات الاحتلال بحق الحركة الرياضية الفلسطينية.

وبرز مساء أمس أشبه بهجوم من التعليقات والصور على صفحة الرئيس الأميركي دونالد ترمب انتقد فيها المعلقون سياسة الولايات المتحدة تجاه الشعب الفلسطيني والأراضي المحتلة، وأكدوا على عروبة القدس وفلسطين.

وكشف الداودي أن "الجيش" يحضر نفسه ليوم "الهبد الأكبر" في ذكرى "النكبة" الفلسطينية التي يحتفل فيها الإسرائيليون بإقامة دولتهم على أنقاض مئات القرى والمدن الفلسطينية التي تم احتلالها سنة 1948.

ويقول أمين عابد، (30 عاما)، أحد القائمين على عمل "الجيش" إن نشاط "الشباب" اتسع بشكل ملحوظ خلال التصعيد الأخير الذي شهده قطاع غزة عندما شن الاحتلال مئات الغارات فقتل الأطفال والنساء والأبرياء وترك عشرات الأسر بلا مأوى بعد تدمير بيوتهم.

وقتلت غارات الاحتلال 27 فلسطينياً، بينهم 4 سيدات ورضيعتين وطفل فيما أصيب 154 مواطنا، وفقا لوزارة الصحة، ودُمرت عشرات المنازل في موجة الغارات الأسبوع الماضي.

وأشار عابد، الحاصل على درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط، أنه ورفاقه دشنوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" و"انستاغرام" ووسم "إهْبد 194" بالعربية والانجليزية، لإيصال الحقيقة وكشف زيف الاحتلال على أوسع نطاق.

وكشف أن القائمين على "الهبد" هم خمسة شبان فقط، اثنان منهم خارج فلسطين، لكن يساعدهم الآلاف من الشبان والشابات المقتنعين بالفكرة في مختلف أرجاء المعمورة.

"نمارس نشاطنا من كل مكان، أهم ما لدينا هو الوقت لأننا عاطلين عن العمل، في البيت في الشارع في المقاهي نمارس هذا النشاط،" قال عابد.

ومن أبرز الإنجازات قال عابد، العاطل عن العمل، إن أوفير جندلمان [مسؤول إعلامي في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو] قد حذف 4 تغريدات (فيديو) من حسابه على "تويتر" بعد أن تم هبده من النشطاء وكشف كذبه.