يمكن القول إنّ نظام تل أبيب العنصري يهبط من مستوى دولة مجهولة الحدود إلى مستوى عصابة تمتلك أسلحة الجريمة بلا حدود.. ويمكن القول أيضًا إنّ نظام تل أبيب عصابة برتبة دولة متمردة على الشرائع والقوانين الإنسانية.

تذكرنا أسماء الأجنة والرضع الفلسطينيين الذين ارتقت أرواحهم في ليلتي عدوان همجي إجرامي على قطاع غزة بحكايات الفلسطينيين الذين اضطروا للهجرة هربا من همجية العصابات الصهيونية المسلحة منذ إنشائها في بلادنا تحت سمع وبصر الانتداب البريطاني وحتى حرب العام 1948، فالرعب من عمليات بقر بطون النساء بالسكاكين أو بالحراب أو بإطلاق النيران مباشرة وقتل الأجنة قد دفع الكثير من الفلسطينيات الحوامل للفرار من جحيم مصير كهذا!!

لخص زئيف جابوتنسكي، وهو واحد من منظري وقادة المشروع الصهيوني الاستعماري الإحلالي وأستاذ مناحيم بيغن, كذلك مكانة العنف في العقيدة القتالية والسياسية لإسرائيل فهو القائل: "هل رأيتم على مدى الزمن شعباً يعطي بلده بمحض إرادته؟ وعرب فلسطين كذلك لن يتخلوا عن سيادتهم من دون استخدامنا العنف ضدهم". أما بيغن فقد قال: "لقد قامت دولة إسرائيل بالدم والنار، بالإكراه والتضحيات, ولم تكن لتقوم بغير ذلك, ولكننا لم ننته بعد, يجب أن نحارب ونكمل قتالنا ذلك أن إقامة ما يسمى "إسرائيل الكبرى" أو "الإمبراطورية الإسرائيلية اليهودية" لا يمكن أن يتحققا إلاّ من خلال سحق الآخرين".. أمّا نتنياهو فيمكن اعتباره الأكثر حرصا بين تلامذة جابوتنسكي على تطبيق نظرياته في الجريمة ضد الإنسانية.

يختار الفلسطينيون أسماء لأبنائهم حتى لو مازالوا أجنة في أرحام أمهاتهم وهذا تعبير عن الأمل في الحياة، فهنا الإنسان يحمل اسمه قبل أن تلده أمه حيًّا أو قبل أن يطاله سلاح الغزاة المجرمين فيستشهد في رحمها، وكأن حكاية الوطن تروى للأجيال بوقائع مادية بين حين وآخر ولنا في الجنين الشهيد عبد الله ابن الشهيدة فلسطين وابنتها الشهيدة صبا الف معنى ومغزى ويكفي العاقل من أمة الإنسان التدقيق في الأسماء ليدرك ما قصدناه! ومعهم الجنين الشهيد ايمن والرضيعة الشهيدة ماريا التي لم تكمل مئة وعشرين يوما مذ رأت عيناها أنوار الحياة!

ويعرف الفلسطينيون حجم المجازر وفظاعتها التي نفذها المحتلون المستعمرون، لكنهم لم يستسلموا، وما فكروا يوما بالخضوع، لإدراكهم أن الباطل اذا ما فاز في جولة بسلاح القوة فإنّ أصحاب الحق هم الفائزون أبدا بسلاح الصبر والصمود المعزز بالعقلانية والقوانين والشرائع الإنسانية.

ويعرف العقلاء الفلسطينيون، الوطنيون المناضلون أن التضحيات يجب أن تكون بحجم الأهداف الوطنية الكبرى المحققة، وغير ذلك فانه تقدير خاطئ لقيمة الإنسان ومعاني الفداء.

ما كنا بحاجة لكل هذه الدماء البريئة من اجل العودة إلى نقطة الصفر المسماة في قاموس المتحاربين (تهدئة)، وحتى حقائب الملايين فان صنع نهر من دماء الفلسطينيين لتطفو عليها وتصل إلى حماس فعل يتنافى وأعراف وقيم وأخلاقيات العمل الوطني، ولنا أن نتخيّل سخرية العالم عندما يعلم أنّنا قدمنا حوالي ثلاثين ضحية واكثر من مئتي جريح ودمار عظيم من اجل توسعة مساحة صيد في البحر بضعة أميال، أو من اجل أمور لا صلة لها بجوهر القضية ولا بأي ثابت وطني، فالشعب هنا يعلم ويعرف كل أمر، ويعرف المتكسّبين من الجولات النارية، ويعرف أن الوحدة الوطنية، وحدها السبيل لتقوية مناعته في التصدي لسرطان الاحتلال، ووباء صفقة القرن القادم.

نريد الحياة لفلسطين (الوطن) كما كنا نتمناها للمواطنة الشهيدة فلسطين صالح أبو عرار وجنينها وابنتها صبا محمود أبو عرار، وللرضع والأجنة والشباب والرجال والنساء، فالأصل ألا نترك أجنتنا عرضة للموت حتى وان كنا مؤمنين بالقدر، والأصل أن نمنع الغزاة المحتلين عن التمتع برؤية دماء وأشلاء أمهاتنا وأطفالنا، فان كنا لا نملك أسلحة رادعة أو دفاعية حاسمة، فانا على الأقل نملك عقولا، نستطيع اذا أعملناها بمنطق المصلحة الوطنية العليا، أن نحقق أهدافنا نحن، ونمنع عن المحتلين الاستعماريين الإسرائيليين فرصة تحقيق أهدافهم، فنتنياهو تلميذ جابوتنسكي يجب ألا ينجح، فيسقط ويسقط معه مشروعه الإجرامي.