روان المكحل

قبل أن يشُق النهار طريقه.. تبدأ معاناة آلاف العمال الفلسطينيين ورحلتهم مع الخوف والقلق بحثا عن لقمة عيش كريمة.. تارة على حواجز القهر والإهانة وأخرى خلال عملهم داخل أراضي عام 1948 حيث المضايقات والملاحقة والمطاردة التي لا تنتهي.

فبعد انتظار العامل الفلسطيني لساعات في طوابير على الحواجز والبوابات الالكترونية، يمكن أن يخبره الجندي أو المسؤول الإسرائيلي بأن هناك مشكلة في تصريحه وعليه مراجعة ما تسمى بـ"الإدارة المدنية" ليعود أدراجه ويمضي أياما في محاولة لفهم المشكلة.

شاب في أواخر العشرينات من العمر، فضل عدم ذكر اسمه، قال: حتى في عيد العمال نضطر التوجه للعمل عبر حاجز قلنديا، عكس العمال الإسرائيليين الذين لديهم عطل رسمية، عدا عن الإجازات التي يتم منحهم إياهم، مؤكدا أن أجور العمال الإسرائيليين تزيد عن أجور العمال الفلسطينيين ما يقارب 30 شيقلا على كل ساعة في اليوم الواحد.

حالة من الهلع الحقيقي تنتاب العمال في مرحلة التدافع أثناء إجبارهم على المرور عبر ممرات ضيقة لا تتسع أعدادهم الهائلة على المعابر، اسلاك شائكة على جانبي الممر بطول عدة أمتار وجدران اسمنتية تنتهي بما يطلق عليه العمال "المعّاطة"، وهي جهاز لف دائري يجبر العامل على اجتيازه بعد التدقيق الأولي في أوراقه.

وفي حالة اجتياز الفحص الأولي يأتي فحص من خلال البصمة باليد والعين، ثم التفتيش الجسدي باستخدام آلة خاصة تشعر العامل وكأنه في قفص الاتهام.

وتطرق الشاب إلى معاناته والعمال الآخرين على حواجز الاحتلال وبواباته؛ حيث قلة التقدير والاحترام والتفتيش المهين.

هذه المأساة اليومية تجعل قضية العمال بحاجة إلى متابعة فورية ومن جهات حقوقية وإنسانية دولية للتخفيف من هذه الإجراءات التي لا يمكن وصفها بأقل من التعسفية والقاهرة.

العامل محظوظ إذا جاز التعبير هو من يجتاز هذا الامتحان في الوقت المحدد قبل أن يتركه المشغِّل الإسرائيلي في الجانب الآخر من المعبر بحجة أنه تأخر عن الوصول.

العاملة أسماء التي اكتفت بالتعريف عن نفسها بذلك، وتعمل في مصنع بالقدس، قالت: الحقوق التي نحصل عليها أقل بكثير من التي تعطى للعمال الإسرائيليين، سواء من ناحية الأجر أو الاجازات، مشيرة إلى أن العاملين الفلسطينيين في المصانع الإسرائيلية أكثر من النصف وذلك رغم الاضطهاد والكره الذي يتعرضون له، ولكن يتحملون كل ذلك ويضحون بأنفسهم من أجل قوت أطفالهم.

إلى ذلك هناك آلاف العمال الذين يدخلون للعمل دون تصاريح، ومعاناتهم مضاعفة.. فهم مضطرون للتعايش مع الرعب والخوف طوال الوقت.. رحلة دخولهم للعمل شاقة جدا ومحفوفة بالمخاطر، فيمكن أن يطلق الاحتلال النار عليهم فور محاولتهم القفز عن جدار الضم والتوسع العنصري، ويمكن أن يلقي القبض عليهم ويتعرضون للضرب المبرح والسجن ويدفعون غرامات مالية باهظة، وفي أحسن الأحوال يوقّعون (مكرهين) على تعهدات بعدم الدخول لإسرائيل تحت طائلة السجن لفترة طويلة ودفع غرامات مالية باهظة.

ولا يعني تجاوزهم كل هذه الصعوبات ووصولهم لأماكن عملهم أنهم في مأمن، فيمكن أن تداهم الشرطة الإسرائيلية أماكن عملهم بأي لحظة وتعتقلهم.

هم مجبرون على النوم لأشهر في أماكن عملهم غير المؤهلة للسكن، أو بين الأشجار أو أسفل سلالم درج البنايات غير المأهولة.. يفترشون الأرض ويلتحفون السماء بحثا عن قوت أطفالهم هروبا من بطش المحتل، وغالبا لا ينجحون في تجنب ذلك.

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بــ"عيد العمال" يتعرض العمال الفلسطينيون لشتى أشكال البطش والتنكيل.. وتهضم حقوقهم.. ويسكنهم الخوف طوال الوقت.. ويتعرضون لتمييز عنصري حتى في أجورهم؛ فالعامل الإسرائيلي يتقاضى أضعاف أجرة نظيره الفلسطيني، ويحصل على كامل حقوقه.

عرفات عمرو من جمعية عنوان العامل، قال: إن أخطر ما يواجهه العمال الفلسطينيون (250 عامل سواء يعملون بتصاريح أو بدون) هو ربطهم مباشرة بالمشغل الإسرائيلي، وهذا أمر مخالف للقانون ويجب فك هذا الارتباط، وأوضح أن المشغل الإسرائيلي يستغل هذا الربط فهو المخول بالتصريح عن الأمور المالية للعامل الفلسطيني، والعامل مكره على الموافقة كي يبقى في عمله، ومبينا أن العمال بدون تصاريح يتعرضون لظلم مضاعف.

وبيّن عمرو أن هناك تمييزا واضحا بالأجور بين العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل وغيرهم من العمال سواء صينين او تايلنديين أو غيرهم، وقال "إسرائيل تتفنن بسرقة أموالنا".

وأوضح أن جمعية عنوان العامل توجهت للمحكمة العليا الاسرائيلية التي بدورها وعدت بفك الارتباط بين العامل الفلسطيني والمشغل الاسرائيلي في شهر أيار الجاري، وبالتالي مساواة العامل الفلسطيني بالعامل الاسرائيلي بكل الجوانب.

وحول إصابات العمل للعمال الفلسطينيين في اسرائيل، قال عمرو: في العام 2018 توفي 38 عاملا، 70% منهم يعملون في ورش البناء، و80% منهم فلسطينيون سواء من الأرض المحتلة عام 67 أو من أراضي 48، ولكن ما يحصل في ورش العمل من قتل لعمال فلسطينيين كارثة كبيرة، وحكومة الاحتلال لا تحمّل صاحب العمل أي مسؤولية، فإسرائيل لا تطبق المعايير الأوروبية للسلامة والصحة على العمال الفلسطينيين، ولا يوجد رقابة على هذه المنشآت.

أما بخصوص معاناة العمال على الحواجز، فأوضح: يخرج العامل من بيته من الساعة 3 فجرا، وهذا إجرام، وهناك عمال تعرضوا لإصابات على المعابر وهناك عمال وافتهم المنية، مؤكدا أن ذلك غير قانوني ولا إنساني

وأشار إلى أنه حتى نهاية عام 2018 اسرائيل وفرت 300 مليون شيقل خلال 10 سنوات من الإجازات المرضية للعمال الفلسطينيين، وطالبنا بتحويلها لوزارة العمل وادعوا انهم حولوها لتطوير المعابر، هذه المعابر التي تزداد سوءا كل يوم وتبدأ معاناة العمال منها!!!.

وفيما يتعلق بالاجازات السنوية للعمال، قال عمرو: كانت تدفع من المشغل، ولكن ابتداء من 2018 قطعت إسرائيل تحويلها والمشغل يرفض دفعها، وكذلك إجازات النقاهة والأعياد لا يأخذها العامل الفلسطيني، والتوفيرات والاتعاب التي يحصل عليها العامل وهي 20% من راتبه، كان من المفترض أن تجمعها إسرائيل من أجل تقاعد العامل، ولكن إسرائيل سنت قانونا"انها لا تجمع هذه الأموال من أجل التقاعد وإنما من أجل التوفيرات" وهذا مناهض لجوهر علاقة العمل، أضف أنه لا توجد رقابة على هذه الاموال، وأين تذهب أرباح الاستثمار فيها، فهل هي تستثمر في المستوطنات أو للاستيطان؟ أم تذهب لقتل الفلسطينيين؟، هذه التساؤلات لا تجيب اسرائيل عنها، فإسرائيل تستبيح العمال وأموالهم وحقوقهم!!.

ونبه عمرو من أن هناك مليار ونصف المليار شيقل تسرق من عمالنا لسماسرة التصاريح، 50 ألف تصريح عمل سنويا، وهم سماسرة إسرائيليون.