كلّما قرأت رواية عبريّة لكاتب إسرائيليّ شرقيّ مثل سامي ميخائيل أو شمعون بلاص أو إيلي عمير، أو شاهدت برنامجًا تلفزيونيًّا عن شقاء المهاجرين اليهود وحياتهم القاسية في "المعبراه" قفزت أمام عينيّ معاناة اللاجئين في المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان وسوريا والأردن والضفة وقطاع غزّة.
والمعبراه كلمة عبريّة معناها معسكر انتقال أو مخيّم مؤقّت، بيوته من تنك وإسبست وشوادر وبركسات، وقد أقامت حكومة إسرائيل والوكالة اليهوديّة مائتي معبراه في الخمسينيات والسّتينيات من القرن الماضي بجوار المدن الكبرى أو على اطلال القرى الفلسطينيّة المهجّرة لحلّ مشكلة السّكن لقوافل المهاجرين اليهود الذين تدفّقوا إلى البلاد من آسيا وأفريقيا، وأحاطت كلّ معبراه بسياج ووضعت حرسًا على بوّابتها يتحكّم في الدّاخل إليها والخارج منها. ومن الجدير ذكره أنّ المعبراه كانت من بنات أفكار ليفي إشكول مسؤول الوكالة اليهوديّة في تلك السّنوات ورئيس الحكومة فيما بعد.
تركت الحياة البائسة في المعبراه جروحًا لم تندمل حتّى اليوم في نفوس المهاجرين اليهود من البلدان العربيّة والإسلاميّة وبخاصّة يهود العراق والمغرب واليمن حيث عانوا من الفقر والمرض والسّكن الرّديء والأوساخ ونقص المياه والكهرباء بالإضافة إلى التّمييز بينهم وبين المهاجرين من أوروبا، كما عانوا أيضًا– وهو الأهم– من الاستعلاء من اليهود الغربيّين ومن حكّام البلاد. وأعتقد أنّ الخبر الذي نشرته في تلك الأيّام صحيفة "هآرتس" المعروفة باتّزانها وجاء فيه "وصلت إلى إسرائيل أمس من جبال الأطلس في المغرب إحدى قوافل المهاجرين الأكثر تخلّفًا" يدلّ على احتقار اليهود الغربيّين لليهود الشّرقيّين وهذا ما دفع د. يوحنان بدر، النّائب في الكنيست عن حزب "حيروت" المعارض أن يقول في خطاب له في البرلمان منتقدًا حكومة "المباي": يتعاملون مع المهاجرين من البلدان العربيّة كأنهم قادمون من الكهوف أو كأنّهم مجموعة من القرود التي نزلت توًّا عن الأشجار.
كان المسؤولون في الوكالة اليهوديّة يأخذون المهاجر حال هبوطه على أرض المطار ويرشّونه بمادّة ال دي. دي. تي ويغيّرون اسمه الشّخصيّ واسم عائلته إلى اسمين عبريّين.
سكّان المعبراه من اليهود الشّرقيّين وسكّان المخيّمات الفلسطينيّة هم ضحيّة الحركة الصّهيونيّة، فسكّان المعبراه غرّرت بهم هذه الحركة بوسائل مختلفة في دهائها وجعلتهم يتركون بيوتهم وأملاكهم في الدّول العربيّة ويهاجرون إلى "بلاد السّمن والعسل" التي وعدتهم بها، وأمّا سكّان المخيّم الفلسطينيّ فقد طردتهم هذه الحركة من وطنهم ومدنهم وقراهم وبيوتهم وصادرت أملاكهم.
استمرت معاناة سكّان المعبراه عقدين من السّنوات ولم يمحُ آثارها الزّمن، فمازال اليهود الشّرقيّون ناقمين حتّى اليوم على حزب المباي (العمل فيما بعد) وقيادته وأمّا أبناء شعبنا العربيّ الفلسطينيّ فمازالوا طيلة واحد وسبعين عامًا يرزحون في جحيم المخيّمات وفي جحيم الاحتلال وفي جحيم الحصار يناضلون من أجل الخلاص.
هل صاموا إحدى وسبعين سنة يا مستر ترامب ليفطروا على صفقة القرن؟
اعقل!!!