تحت عنوان "ثلاثية الأجراس"، صدر للروائي إبراهيم نصر الله، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) العام 2018، عمل ملحمي جديد، عن الدار العربية للعلوم في بيروت، بينما تصدر طبعة خاصة بفلسطين عن "الأهلية" للنشر والتوزيع في عمّان.

وكان نصر الله قال عن "الثلاثية" في حوار أجريته معه، ونشر في "أيام الثقافة" على حلقتين، قبل صدورها بقرابة العام: هي روايةُ رواياتٍ، كما وصفها كاتب صديق قرأها مخطوطة، تنبثق كل رواية من الأخرى، تُقرأ منفردات، وتقرأ مجتمعات. الثلاثية أعمل عليها منذ العام 1990 تحضيراً وملاحظات وأفكاراً.

وأضاف نصر الله، آنذاك: تدور الروايات حول الحياة المدينية وجمالياتها في فلسطين، وحضارية شعبنا الفلسطيني، والدور المسيحي النضالي والثقافي في بيت لحم والقدس، وبيت ساحور بشكل خاص، ودورها في عصيانها المدني الكبير في تاريخنا الفلسطيني، وكذلك المصورة الفلسطينية العربية الأولى كريمة عبود، وتلعب حكايات الحب دوراً أساسيا فيها، وكذلك الموسيقى والتصوير والغناء والفن بشكل عام. وهي إلى ذلك ثلاثية أجيال فهناك شخصيات مسيحية، مسلمة، يهودية، عابرة للعمل من أوله إلى آخره، وحضور الشخصية اليهودية هنا، في تقاطعها مع الصهيونية والطريقة التي تم فيها احتلال فلسطين، أمر يحدث للمرة الأولى في رواياتي.

ويحتضن هذا العمل الملحمي الذي يأتي امتداداً لـ"الملهاة الفلسطينية" ثلاثة أعمال روائية: "ظلال المفاتيح"، و"سيرة عين" و"دبابة تحت شجرة عيد الميلاد"، وبه يؤكد نصر الله قدرة فائقة على التجدّد والعطاء وارتياد مناطق جديدة، تاريخياً، وإنسانياً.

وفي رواية "ظلال المفاتيح"، يبدو الفلسطيني صورة أسطورية لذاكرته، مثلما تبدو ذاكرته صورة أسطورية لمعنى وجوده.

رواية عابرة لأزمنة كثيرة وتحولات كبرى شهدتها فلسطين، وعاشتها شخصيات هذا العمل، في امتدادات الحدود القصوى لفكرة الوجود، والشتات، والتّماهي مع وطن سُلب بالقوة. وهي كذلك عن المسافة بين إنسانية صاحب الحقّ وغطرسة سالب هذا الحق، الذي يتجسّد هنا من خلال مواجهة استثنائية بين امرأة فلسطينية وضابط صهيوني، حيث تثبت هذه الرواية القصيرة، نسبياً، أن الملاحم لا تحتاج، دائماً، صفحاتٍ كثيرة لتستحق اسمها، ففي "ظلال المفاتيح" تنبثق ملحمة أخرى، قوية، مؤثرة، وعاصفة لفرط قوة الصراع الذي عاشته فلسطين، ولم تزل تعيشه في مواجهة مُحتليها.

أما رواية "سيرة عين" فتحضر فيها شخصية المصوِّرة الفلسطينية الرائدة كريمة عبود (1893ـ1940)، على أكثر من مستوى: ففي النصف الأول من القرن الماضي، استطاعت كريمة عبود أن تخترق واقعاً نمطيّاً احتكر فيه الرجال فنَّ التصوير الفوتوغرافي، وبهذا استحقت أن تنال لقب رائدة التصوير في فلسطين والعالم العربي، واستطاعت أن تحقق المعنى العميق للصورة باعتبارها فنًّا، وهذا ما رسخ ريادتها أكثر؛ هذه الريادة التي باتت موضع تقدير في العالم كله اليوم. واستطاعت كريمة أن تخترق الواقع الاجتماعي بتمرّدها على الصورة التقليدية للمرأة، وهي تحقق حضورها القوي كفتاة وامرأة قادرة على انتزاع حريتها وانتزاع الاعتراف بحقها، بحيث يمكن أن نعتبرها واحدة من النهضويات اللواتي حققن حرية المرأة قولاً وفعلاً.

وإذا كانت هذه الرواية عن ذلك كله، فهي أيضا عن فن التصوير نفسه، وحكاية عائلة أصيبت في أعمق أعماقها بلعنة الاستعمار البريطاني ومن ثمَّ الصهيوني الذي ابتليت بهما فلسطين.

وتذهب رواية "دبابة تحت شجرة عيد الميلاد"، التي بدأ التحضير لها منذ العام 1990، لتأمّل حال فلسطين على مدى 75 عامًا، بدءا من الحرب العالمية الأولى، حتى نهاية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، متتبعة ما عاشته فلسطين من تحولات.

رواية أجيال، تدور أحداثها في بيت ساحور، بيت لحم، القدس، وغيرها من المدن الفلسطينية. وبقدر ما هي رواية المدينة الفلسطينية التي تنهل من تاريخ الوطن، بقدر ما هي حكاية حب غير عادية، ورواية عن الموسيقى، والغناء، والفن والثقافة، والدور الطليعي للشعب الفلسطيني، إنسانيا ونضاليا، وجماليا، والدور المسيحي في النضال الفلسطيني، وتجلياته المختلفة، وذلك الإنجاز الكبير الذي حققته مدينة بيت ساحور عبر عصيانها المدني الخلّاق خلال الانتفاضة الأولى. كما تقدِّم رواية الأجيال هذه، عبر شخصياتها التي لا تُنسى، الأساليبَ التي اتّبعتْها الصهيونية للسيطرة على فلسطين.

"ثلاثية الأجراس" لإبراهيم نصر الله عن فلسطين أولاً وأخيراً، وفيها عن الحبّ، والفن، والتصوير، والغناء، والموسيقى وبطولات البشر، لتشكل بالفعل ما سبق وقاله نصر الله لـ"أيام الثقافة"، بأنها "رواية روايات".