"يجدر الإصغاء إلى ما قيل بعده"، هكذا كان رد بنيامين نتنياهو على سؤال حول خطاب بار إيلان، الذي ألقاه في العام 2009 وتحدّث فيه عن حل الدولتين.

نسخنا الجملة أعلاه من النص الأصل المنشور لحديث بنيامين نتنياهو رئيس حكومة دولة الاحتلال (إسرائيل) مع موقع القناة السابعة الموصوف باليميني!! بعد أن أعلن بشكل صريح رفضه قيام دولة فلسطينية، وذلك لبيان أمرين هامين، الأول المدى الذي وصله نتنياهو في عملية استغباء واستحمار الجمهور الإسرائيلي التي بلغت ذروتها خلال الأيام السابقة للانتخابات، أمّا الأمر الآخر فهو قدرة نتنياهو واستعداده لممارسة الكذب والتحايل والخداع من أجل البقاء في الحكم، حتّى ولو كان ذلك على حساب الأمن والاستقرار والسلام ليس في فلسطين والمنطقة وحسب، بل في العالم، رغم تطميناته للجمهور الإسرائيلي إلى القوة العسكرية التي تمتلكها (إسرائيل) والذي على أساسها قال للقناة 12 الإسرائيلية: "إنّني أصل إلى العالم من خلال قوة أمنية واقتصادية ودبلوماسية".

لا نعرف كيف يستطيع نتنياهو ممارسة الكذب على الجمهور الإسرائيلي، فهو يتحدّث عن قوّة دبلوماسية، لكنّه في الواقع ليس في جعبته في القوة الدبلوماسية إلّا موقف إدارة ترامب الأميركية المتمردة كدولته (إسرائيل) على القانون الدولي والخارجة على الشرعية والأعراف والمواثيق الأممية، وتكمن المصيبة إذا كان الجمهور الإسرائيلي يعرف هذا الأمر لكنه يصدق نتنياهو، وإن كُنّا لا نرى ما يمنع الجمهور المتجنّح معظمه للهبوط في مستنقع اليمين المتطرّف العنصري المؤيد للاحتلال والاستعمار الاستيطاني والقوانين العنصرية من تصديق نتنياهو باعتباره النموذج العاكس لوجهات نظر هذا الجمهور رغم تنوع كياناته وأحزابه، وقد نذهب إلى أبعد من ذلك ولا نغالي إن قلنا أن الجمهور الإسرائيلي قد انجرف في انحرافاته الفكرية والسياسية إلى أبعد من أي نقطة من التطرف كان قد وصلها مجتمع ما في هذا العالم، آخذين بعين الاعتبار طبيعة مكونات المجتمع الإسرائيلي وارتباطاته مع أصوله في المجتمعات الأوروبية والأميركية المدنية المتقدمة، وتلك الشعوب التي تركها المستعمرون في ورطة الخروج من موروث ثقافي مزيف أدّى إلى تغلغل المفاهيم والتعاميم المتطرفة تجاه الحياة وقضاياها.

سيتأكّد العالم مع نهاية هذا اليوم التاسع من شهر نيسان من ماهية المجتمع الإسرائيلي، وسيدرك العالم حجم الخطر الذي يتهدّده إن رجحت كفة أنصار الحرب والقوانين العنصرية، والاحتلال والاستيطان، ما يعني بداية السقوط والتحول إلى مجتمع (مجرمي الحرب) أو المجتمع الحاضن للجرائم ضد الإنسانية، فكل الجمهور الإسرائيلي يعلم أن الاحتلال والاستيطان وتهجير الفلسطينيين والقتل الممنهَج للمدنيين الأبرياء، هي جرائم حرب وضد الإنسانية، يرتكبها المسئولين رقم واحد في كيانهم السياسي، وأنهم سيكونون مشاركين في هذه الجرائم إن أعادوا انتخابهم، ما يعني مساهمتهم الفعلية العملية فيها، فتكون إسرائيل بذلك أو دولة تكون الغالبية العظمى من مجتمعها مسئولة عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب .

لا يستطيع الجمهور الإسرائيلي تجاوز الاختبار التاريخي إلا عبر اجتياز حقول ألغام الخوف والرعب التي يزرعها نتنياهو والمسؤولون في الأحزاب المتطرفة من فكرة السلام والحل على أساس الدولتين، والوصول إلى صناديق الاقتراع بقناعات صادقة حول جدوى السلام، والاقتناع بوجود شريك فلسطيني يرضى السلام ولكن ليس على أساس الإخضاع لمنطق القوة كما يعتقد دكتاتورهم الجديد نتنياهو، وإنما على أساس قرارات وقوانين الشرعية الدولية ، التي بناء عليها تم توقيع الاتفاقيات مع حكومات (إسرائيل) .

على الجمهور الإسرائيلي الاحتكام والتفكير جيّدًا قبل الاختيار، فأمامه صندوقان يكون مساهما بقرار الحرب والعدوان والاحتلال والاستيطان والقوانين العنصرية إن شاء اختياره، والآخر قد يجلب له وللمنطقة حلولاً واقعية ممكنة، تؤدي في نهاية الطريق إلى محطة سلام عنوانها دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدودها ومواردها وعاصمتها القدس الشرقية، وتامين حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة حسب القرار الأممي 194 وحرية الأسرى .

ليس بإمكاننا تحديد خيارات المجتمع الإسرائيلي لكنا على يقين أن قوة في الأرض لن تمنعنا من تحديد خياراتنا، إن اختار معظم المجتمع الإسرائيلي الانخراط في شبكة العداء للإنسانية وحضارتها التي لا معنى لها بدون رسالة سلام تجسدها كحقيقة مادية ملموسة.