شَهِدَت محافظات الجنوب الفلسطينية كمًّا من الظواهر السلبية في زمن حكم الانقلاب الأسود على الشرعية منذ أواسط عام 2007، ومن بين هذه الظواهر، الاعتداء على الأطباء، حيث اقتُحِمَت عيادة للوكالة في بلدة بيت حانون، وتكسير محتوياتها، والاعتداء بالضرب على الطبيبين توفيق الجعبري، ورندة مسعود مطلع نيسان/ أبريل الحالي، وتلاهما مباشرة في اليوم الثاني اعتداء بالضرب المبرح على الدكتور الجراح محمد كلوب، الذي يعمل في المستشفى الأوروبي/ خان يونس. وهي ليست المرة الأولى، التي تتعرّض فيها الطواقم الطبية للاعتداءات والإهانات المتعمّدة خاصة من مليشيات حركة الانقلاب الحمساوي.

والدكتور توفيق الجعبري (59 عامًا)، هو مدير العيادة، ومضى على عمله في هذا الحقل نحو 35 عامًا، وللدكتور سيرة حسنة، ويحرص على التعامل بإيجابية مع المواطنين. ولم يفعل شيئا سوى أنّه حضر ليستوضح الأمر من الجاني، وهو شرطي من أجهزة حركة "حماس" عن سبب الاعتداء على الدكتورة رندة مسعود، التي تعمل تقريبا منذ خمسة عشر عاما، ولها أياد بيضاء على مرضاها، فما كان من البلطجي الحمساوي سوى أن انهال على الدكتور بالضرب المبرح، ما أدخله في غيبوبة، وأصيب بجلطة. وفي اليوم التالي الثلاثاء الموافق 2/4/2019 تعرض الدكتور كلوب للضرب من قبل بلطجي آخر، وهو من الأطباء المشهود لهم أيضًا بالكفاءة، ومساعدة المرضى في مجال اختصاصه كاستشاري في الأوعية الدموية.

بنظرة سريعة على ما جرى، يلحظ المواطن أنّ جرائم وانتهاكات حركة "حماس" لا تنحصر في الإفقار، والتجويع، وسن الضرائب، ومص دماء الناس، وإلقاء عشرات الآلاف من العمال في سوق البطالة، حتى تجاوزت معدلاتها 70% في قطاع غزة، وتحويل المخيمات والمدن الفلسطينية إلى تجمعات سكنية موبوءة بالظواهر الاجتماعية الخطيرة مثل: انتشار المخدرات والدعارة والسفاح ... إلخ من الظواهر، وإفلاس أصحاب الشركات والمصانع، وتحويلهم لنزلاء سجون عند الانقلابيين، ودفع الشباب للهجرة والموت في أعالي البحار، أو بيد تجار التهريب، أو في بلدان المهاجر، كما حدث قبل أيام قليلة مع الشاب محمد أبو شملة، الذي اعتدى عليه اللصوص في تركيا، والقوا به من الطابق الرابع، ومازال حتى الآن في المستشفى في حالة غيبوبة، وحدث ولا حرج عن الشباب الفلسطيني، الذي يرتع في سجون الدول العربية والأوروبية، التي دخلها تهريبا. والآن يأتي دور الأطباء والاعتداء المتعمد والمقصود عليهم، وهم الذين لعبوا، ويلعبون دورا مهما في إنقاذ حياة المواطنين على مدار سنوات عملهم. فماذا تريد حركة حماس من ترك الباب على الغارب بالاعتداء على الأطباء؟ هل مطلوب منهم ان يعطوا الأولوية لعناصر مليشيات حركة حماس وعائلاتهم؟ أم المطلوب الصمت على انتهاكاتهم للنظم والمعايير الطبية؟ أم استحواذهم على الأدوية دون غيرهم من المواطنين؟ أم تريد تطفيشهم من الوطن أسوة بالشباب، الذين كفروا بالواقع الانقلابي المر؟ وفي حال تم إفراغ القطاع من الأطباء لمن ستترك حال الناس ومعالجتهم؟ هل تريد أن تتركهم لضاربي المندل، أم للحجب والسحر والخزعبلات وقراءة الفنجان، أم للنصابين والدجالين من أصحاب الدف والدراويش؟

عمليات الاعتداء المتكررة على الأطباء نساء ورجالاً في قطاع غزة، وفي أماكن مختلفة من شمال إلى جنوب المحافظات تحمل مؤشرًا خطيرًا، وغير بريء نهائيا، وحتى لو افترضت حسن النية، وذهبت إلى أنّ الصدفة وحدها، هي، التي ربطت بين الحادثين الأخيرين، فإن حدوثهما في يومين متتالين يحمل في طياته مؤشرا ملفتا لظاهرة تمس مستقبل الجسم الطبي في العمل لصالح المواطنين، ويعكس انحدارًا في مستوى العلاقات بين عناصر البطش والجريمة والإرهاب الحمساوية، الذين عبأهم قادتهم على ارتكاب المعاصي لتطويع الجماهير المغلوبة على أمرها وبين الطواقم الطبية والاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية والثقافية، ودون تمييز بين النساء والأطفال والشيوخ.

الظاهرة القديمة الجديدة في الاعتداء على الأطباء والطواقم الطبية تحتاج إلى أكثر من إصدار بيان من النقابة، أو المؤسسات المجتمعية والحقوقية، وأكثر من إضراب تحذيري، أنّها تحتاج إلى ملاحقة قادة الانقلاب الحمساوي قبل الجناة المباشرين، لأن الظاهرة الخطيرة ما كان لها أن تتكرّس في الواقع دون الضوء الأخضر من قيادة الانقلاب بشكل مباشر وغير مباشر. وأيضًا من الضروري ملاحقتهم وفق معايير المجتمع لوضع حد لهم، ولحماية الجسم الطبي فاعلا وناشطا في خدمة المجتمع، الذي أنهكه الانقلاب بشرور أعماله وانتهاكاته.