ماهر حسين

تابع العديد من أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج الحراك الشعبي في غزة، والذي رفع المشاركين فيه شعار (بدنا نعيش)، بل في هذه المرة وصلت أصداء الحراك الشعبي السلمي في غزة إلى كل العالم.

طبعاً في ظل الانقسام الفلسطيني الممتد لكل جوانب الحياة الفلسطينية، سارع البعض لدعم الحراك الشعبي في غزة، وسارع البعض الآخر لتَّهجم على كل من يشارك في هذا الحراك، ووصل الأمر بالبعض للتحريض التام باستباحة دم كل مشارك في الحراك، حيث وللأسف سارع أحد قادة "حماس" المختصين بالفتاوى الدينية التحريضية (الأسطل) للإفتاء لكل منتسبي ميلشيا "حماس" بأنَّ المشاركين في الحراك لا دية لهم ودمهم مستباح.

ردة فعل حمـــاس على الحراك الشعبي سببت صدمة للبعض وكانت طبيعية لدى البعض، فحماس التي تمثل نموذج لمقاومة المحتل تمثل نموذج للانقلاب.

ما يهمني الآن ليس الموقف من الحراك، فهذا الأمر محكوم بالانقسام والانتماء السياسي للشخص !!! ما يهمني هو مطالب المشاركين في الحراك.

فالمشاركين في الحراك لم يطالبوا بإسقاط هنية والسنوار، ولم يطالبوا بالقضاء على حماس، ولم يطالبوا بالانتقام لمناضلي وكوادر حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" الذين تعرَّضوا للظلم والتعذيب في معتقلات حماس، وحتماً لم يرفع المتظاهرين صور الشَّهيد سميح المدهون للمطالبة بالقصاص، المتظاهرين قالوا (بدنا نعيش)، والمميَّز في شعار الحراك بأنه شعار بسيط وواضح الأهداف، وهو شعار فلسطيني صرف، فغزة لا تتحدث بأي لغة سوى العربية وغزة لا تتحدث بأي لهجة سوى الفلسطينية.

نظرياً من حق كل فلسطيني أن يعيش بكرامة وحرية، ومن حق كل فلسطيني أن يعبِّر عن رأيه ديمقراطياً بالانتخابات، ومن حق الفلسطيني التظاهر للتعبير عن رأيه حول القضايا التي تمس حياته.

فكما كان من حق الفلسطيني التظاهر ضد قانون الضمان الاجتماعي، فمن حق الفلسطيني التظاهر مطالباً بتحسين ظروفه المعيشية في غزة.

للأسف لم تتعامل "حماس" مع مطالبات المواطنين كما تعاملت السلطة الفلسطينية مع مطالبات الموظفين بإسقاط قانون الضمان.

السلطة تعاملت مع المظاهرات المطالبة بإسقاط قانون الضمان بمنطق الحراك الشعبي، وتمَّ تلبية مطالب الجماهير الرافضة للقانون، بينما حماس ومنذ اللحظة الأولى لحراك (بدنا نعيش) باشرت بالقمع والضرب والتهديد والاعتقال، وباشر قيادات "حماس" بالفتوى بحرمة التظاهر للمطالبة بالحياة وسارعت "حماس" عبر إعلامها وإعلام داعمي "حماس" وبشكل خاص الجزيرة القطرية بتشويه حقيقة المظاهرات المطالبة بالحياة بكرامة في غزة، فقالت بأن المظاهرات أصلاً ضد الرئيس أبو مازن وضد السلطة وضد رام الله وضد التنسيق الأمني وضد الانتخابات التشريعية، وحماس جاهزة بهذا المقام لأن تقول بأن المظاهرات داعمة للبيئة العالمية ولكنها ليست مستعدة لأن تقبل أن المظاهرات في غزة هي مظاهرات مطلبية شعبية فكل ما يريده المشاركين في حراك (بدنا نعيش) هو الحياة بكرامة ومواجهة الغلاء المستفحل في غزة ومواجهة التوزيع الغير عادل للمال في غزة.

لم تفهم حماس مطالب الشارع لأنها لا تفهم لغة الشارع ولا يتسع صدر مسؤوليها لصوت المواطنين، بينما فهمت السلطة الوطنية مطالب الموظفين وتعاملت مع حقهم بالاحتجاج على قانون الضمان.

الحراك في غزة ليس مؤامرة كونية على حماس ولم يجري إعداد المؤامرة في رام الله وتل أبيب، بل الحراك في غزة هو مطلب بسيط للمواطنين بحق الحياة بكرامة.

كان من الممكن لحماس بأن تجعل الحراك قوة دفع للمصالحة ليكون الكل الوطني الفلسطيني مسؤولاً عن توفير حياة كريمة للمواطن في غزة بعيداً عن القمع والتعذيب والاعتقال، ولكن وللأسف حماس عاقبت الكل الفلسطيني بسبب الحراك فلم تترك تنظيم ولا عائلة ولم تعاقبهم بالاعتقال والضرب، ويبدو للأسف بأن حماس لم تعد تفهم لغة شعبنا في غزة ويبدو بأن حماس باتت لا تفهم سوى لغة المال القادم من الخارج على طريقة (نبغي هدوء ).

بالمحصلة الشّعب الحر في غزة الذي لا يمكن إذلاله وإخضاعه وقد قال كلمته بوجه قوة حماس فخرج المتظاهرين بسلمية وقالوا #بدنا_نعيش.

قد يفشل الحراك في تغير الأمر الواقع في غزة، وقد لا تستجيب حماس لمطالبات المتظاهرين ولكن صرخات المحتجين في غزة ستنال من النوم الهانئ لقيادات حماس في غزة، فلقد باتت فكرة المقاومة لا تحميهم من مطالبات أبناء شعبنا في غزة بالحياة بكرامة.

ما حدث ويحدث الآن في غزة ليس مؤامرة وإنما حراك شعبي يطالب بالحياة بكرامة وبالمحصلة كلنا #بدنا _نعيش.