رحل المناضل الأسير فارس محمد أحمد بارود في معتقل ريمون الإسرائيلي عن عمر يناهز الـ51 عامًا، وكان الأسير الفلسطيني اعتُقِلَ في 23 آذار/ مارس 1991، وكان يفترض أن يُفرَج عنه في آخر عملية تبادل للأسرى 2013، غير أنَّ حكومة نتنياهو ألغت الإفراج عن الدفعة الرابعة في الربع الأول من عام 2014.

شهيد الحُريّة في باستيلات دولة الاستعمار الإسرائيلي، كان ضحية الإهمال والإرهاب المتعمَّد من قِبَل سلطات المعتقلات الإسرائيلية، فهو قد عانى في 18 تشرين ثاني / نوفمبر 2018 من نزيف حاد، استدعى نقله لمستشفى سوروكا، حيث أُجريت له عملية جراحية استُؤصِل خلالها جزءٌ من أحد الشرايين ومن الكبد على حد سواء نتيجة تلف، وعدم التغذية بين الشريان والكبد.

ومع ذلك لم يجد الرعاية الصحية المطلوبة، بل كان هناك إهمال طبي واضح ومتعمَّد من قبل سلطات المعتقلات وطواقمها المعنية بالمسألة الطبية. وفي ذات الوقت، كان الأسير بارود يعاني أوضاعًا صحية ونفسية صعبة نتيجة الانتهاكات الخطيرة ضده وضد أخواته وإخوانه المعتقلين من قِبَل جلّادي المعتقلات الإسرائيلية، ومنها حرمانه من زيارة والدته، التي وافاها الأجل قبل عامين من الآن، منذ عام 2000، أي منذ تسعة عشر عامًا خلَت، ممَّا فاقم من وضعه الصحي، وأدّى إلى وفاته.

والشهيد بارود ليس الأول في قائمة الشهداء الأبطال داخل زنازين الموت الإسرائيلية، إنَّما هو الشهيد رقم 218 في قافلة الشهداء داخل أقبية التعذيب الإسرائيلية. وكأنَّ لغة الأرقام تُلاحق الشهيد فارس حتى في مماته، بعد أن كان منذ العام 1991 يحمل رقمًا داخل معتقلات الاحتلال، ولكنَّه ليس رقمًا بين الأرقام، بل هو رقم وعنوان خاص، وبارز، وعَلم أضاف للأرقام الكفاحية مكانةً ووزنًا في المواجهة المستمرة بين الأبطال أسرى الحُرّيّة، رُوّاد الدفاع عن الوطنية الفلسطينية، وبين جلّادي دولة الاستعمار الإسرائيلية داخل المعتقلات الإجرامية، التي تعتبر جبهة من جبهات المواجهة والتحدي بين الإرادتين الوطنية والاستعمارية.

وأيًّا كانت نتائج الفحص، والكشف الطبي، والتحقيق في استشهاد المناضل فارس بارود، فإنَّ رحيله الباكر جاء نتاج جرائم التعذيب، والانتهاك المستمر لحقوقه الإنسانية والصحية، وحرمانه من أبسط حقوق المعتقل، وهي زيارة الأهل، ما أثَّر على والدته، التي فقدت نظرها قبل رحيلها لحرمانها من رؤية ابنها، وهو ما ضاعف من حدّة الأزمات النفسية، التي عانى منها، ووضعه تحت الضغط النفسي، الذي تلازم مع وضع صحي صعب، ساهما في رحيله الباكر.

وبالتالي المسؤولية الأولى والأساسية في وفاة الأسير بارود تتحمَّلها دولة (إسرائيل) الاستعمارية، وتفرض الضرورة ملاحقتها على الجريمة البشعة في المؤسسات والهيئات الأممية لمحاكمة قيادتها الإجرامية، ودعوة الهيئات الحقوقية الأممية والإقليمية للضغط على الحكومة الإسرائيلية من فتح أبواب الباستيلات أمام هيئات المراقبة المختصّة من الصليب الأحمر، والمؤسسات القانونية ذات الصِّلة، وضرورة إلزامها بوقف سياساتها العنصرية والإجرامية ضد مناضلي الحُرّيّة، وإلزامها بالتعامل معهم كأسرى حرب، ومناضلين من أجل الحُرّيّة والسلام.

والأسير فارس بارود من سُكّان مخيم الشاطئ، وأصوله تعود لقرية بيت دراس المحتلة في عام النكبة 1948، والتي ما زال أبناؤها في بقاع الأرض يحلمون بالعودة إليها، وما تضحيات أبنائها، المتشابكة مع تضحيات أقرانهم وأشقائهم من مختلف المدن والقرى الفلسطينية، إلّا تأكيد لتمسّكهم بأرض الآباء والأجداد، والإصرار على العودة لديارهم، التي طُرِدوا منها وفقًا للحقِّ التاريخي، ولقرار الشرعية الدولية 194، ومبادرة السلام العربية. ورحيل الشهيد فارس، لن يثني أبطال الحرية داخل المعتقلات وخارجها عن مواصلة النضال الوطني حتى تحقيق الأهداف الوطنية.