منذ وقوع الانقلاب الدموي المسلَّح ضد الشرعية الفلسطينية، وأحداث الانقسام في 1-6-2007، التقت ثلاثة أطراف تبدو متناقضة، ولكنَّها في الحقيقة تعمل معا بنسق واحد على إمداد هذا الانقلاب والانقسام بكلِّ أسباب الحياة والاستمرار.

أوّلُ هذه الأطراف "حماس" والإخوان المسلمون الفلسطينيون تنفيذًا لرؤية التنظيم الدولي، لجعل هذا الانقسام يستمر وصولاً إلى الانفصال، تحت عنوان إمارة غزّة، أو دولة غزّة، وعدم موافقة "حماس" على تنفيذ أي بند ولو صغيرًا من بنود المصالحة التي بادرت إليها الشقيقة الكبرى مصر بل عمدت "حماس" إلى ترك الأمر الواقع يؤدي إلى آثاره السلبية في إضعاف القضية، وإضعاف الشرعية الفلسطينية، بناءً على مفهوم ثابت لدى الإخوان المسلمين بأنَّ مصلحتهم تكمن في تدمير الكيانات الوطنية. وهذا ما تعاقد عليه التنظيم الدولي مع أميركا في أحداث ما سُمِّي بالربيع العربي التي انطلقت في عام 2011، والاعتراض الكبير على ذلك من الشعب المصري وجيشه القوي الذي نفَّذ هزيمة ساحقة ضد الإخوان، الذي تحاول بقاياهم البحث عن بدائل، فكان قطاع غزّة، وكانت مجموعاته في سينا والتي حملت اسم أنصار بيت المقدس ثُمَّ داعش بعد ذلك، ولقاؤهم مع أنصار الشريعة غرب مصر في ليبيا، ولا شكّ أنَّ ذلك كلّه جاء عبر التنسيق مع دول كبرى، تُحارب الإرهاب في العلن وتدعمه في السر، خدمةً لمصالحها الضخمة.

الطرف الثاني الضالع في اللعبة هو (إسرائيل)، أكثر طرف مهَّد أمام انشقاق "حماس" منذ انسحابها من طرف واحد من قطاع غزة عام 2005، لأنَّ الآلية التي تمَّ بها ذلك الانسحاب هي تسليم القطاع لحماس ليس إلّا، وكلُّ ما جرى بعد ذلك هو تأهيل "حماس" لاكتساب الأهلية، حروب ثلاث وخسائر هائلة في الأرواح، والبنية التحتية، والمساكن، لتكون "حماس" هي الطرف المقابل، لأنَّها الموافقة تمامًا والمؤهَّلة للعب دور بآفاقه الإسرائيلية.

الطرف الثالث، هو الطرف العربي المتفلِّت للتطبيع مع (إسرائيل) بعيدًا عن كلِّ المرجعيات العربية، بل أظهر أنَّه يضيق بهذه المرجعيات، ويعتقد أنَّ لا بديل لديه سوى تطبيع مجاني مع (إسرائيل). يُتيح لها أن تمص الدماء العربية والإمكانيات العربية هكذا بلا ثمن.

بناءً على ذلك، تمحور الخطر أمام الشعب الفلسطيني، وقيادته الشرعية باستمرار هذا الأمر الواقع، بعد استمرار التآكل، وبهذا ستصبح القضية الفلسطينية في مهبِّ الريح.

الشرعية الفلسطينية في مقابل ذلك عملت بدرجة عالية من الجهد من أجل الحضور الدولي والسياسي والدبلوماسي والقانوني من جهة، واجتراح قرارات نوعية تُربك جهة الخصوم من الناحية الأخرى.

وقد تمثَّل ذلك عبر استمرار فلسطين حاضرة بتقديم المبادرات كاستمرار التنسيق مع المجتمع الدولي، والالتحاق بعضوية المنظمات الدولية، وتقديم شكاوى مصاغة بدقة للمحاكم الدولية، وإدارة الوضع الفلسطيني على مستوى الإمكانيات بأعلى المعايير -حتى أنَّ الإدارة الأميركية برئاسة ترامب تشعر بصدمة وخيبة كيف أنَّ الشرعية الفلسطينية استطاعت الصمود في وجه العقوبات- وبذل مجهود هائل لمعرفة عناصر الضعف الكامنة في الجانب المعادي -ضعف نتنياهو رغم تشدّقاته ميوعة الاصطفاف الإسرائيلية، وكشف أنَّ العدوان الإسرائيلي على شعبنا يهوي بكل القِيَم التي تتغنَّى بها (إسرائيل)، وأبرزها الديمقراطية وسيادة القانون، فهذه عناوين أصبحت مثارًا للسخرية.

ولكن الفريق المعادي الذي شكَّلته "حماس" مع حلفائها الضارين جدًّا، بقي يتشبَّث بالأمر الواقع الذي إن استمر سيؤدي إلى الانقراض والتآكل مع استمرار الوقت كما نشاهد في انتقال بعض الفصائل من النقيض إلى النقيض، وما العمل؟ كان الجواب قطع الطريق أمام الزمن المجاني، قطع الطريق أمام اندياح "حماس" إلى الأسوأ، تهدئة بشروط ثُمّ تهدئة مقابل تهدئة، ثُمَّ تهدئة مقابل فتات من الأموال البخسة، هكذا انحدر المسار، وسوف ينحدر أكثر، إذًا لابد من التدخل الرئيس، عبر حل وإنهاء أدوات اللعبة الجهنمية، وحل المجلس التشريعي غير الموجود أصلاً، إلّا في حالة التلاعب، وتشكيل حكومة فصائلية من منظمة التحرير، وإعلان التوجه إلى الانتخابات، لينكشف الغطاء عن الوجه الخفي، حتى الفصائل التي أوغلت في خيانة نفسها قد انكشفت، وهذا الأمر مهم جدًّا لخوض معارك المرحلة القادمة.