عام 1956 قرَّر اتحاد الإذاعات الأوروبية (اليوروفيجن) تنظيم مهرجان للأغنية الأوروبية، وكان الهدف هو توحيد أوروبا من خلال الموسيقى والأغاني. وبالفعل نجحت الفكرة وأصبح المهرجان السنوي للأغنية من أكثر المهرجانات مشاهدة، والتي يتراوح عدد مشاهديها ما بين 100 و600 مليون مشاهد، وأنا شخصيًّا تابعته بشكل متقطِّع منذ العام 1982.

اتحاد الإذاعات الأوروبي اتَّخذ قرارًا بتنظيم المهرجان لهذا العام (2019) في (إسرائيل) في شهر أيار المقبل، وكانت النية تنظيمه في القدس المحتلة، ولكن بجهود فلسطينية منسَّقة نُقِلَ المهرجان إلى حيفا. الغريب في الأمر هو كيف يُفكّر اتحاد الإذاعات الأوروبية بالأساس بتنظيم مهرجانه في أرض فلسطينية محتلة، أو في دولة تحتل أرض الغير بالقوة وتنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان في كلِّ لحظة من الزمن.. ألا يتناقض ذلك مع فكرة المهرجان الإنسانية؟

والأهمُّ هو الممارسة العنصرية ليس فقط بحقِّ الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، ولكن داخل (إسرائيل) ذاتها ضد الجماهير الفلسطينية العربية، وحتى ضد مواطنيها من الفلاشا، وبهذا الشأن (إسرائيل) لا تخفي عنصريّتها حتى بما يتعلَّق بالمسابقة ذاتها، فقد أظهر استطلاع رأي مؤخّرًا أنَّ أكثر من نصف الإسرائيليين يرفضون مشاركة فنّان عربي فلسطيني من داخل الخط الأخضر بالمسابقة، والأخطر أنَّ (إسرائيل) كانت تسعى لإعطاء الشرعية لاحتلالها وضمّها غير الشرعي للقدس، وتشريع الاستيطان من خلال مهرجان مسابقة الأغنية الأوروبية "اليوروفيجن". مساعي ومحاولات (إسرائيل) هذه لا تزال قائمة وممكنة الحدوث فلا ضمانات أمام الخداع الإسرائيلي.

فقد قامت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، بمراسلة اتحاد الإذاعات العربية ليقوم بالتدخُّل، وبالفعل تدخّل وحصل على وعد من اتحاد الإذاعات الأوروبية بألَّا يحدث ذلك.

وهُنا تجب الإشارة إلى جهد جماعي قامت به حركة المقاطعة، وهيئة الإذاعة والتلفزيون ووزارة الخارجية، وجهات أخرى فلسطينية وعربية ودولية، لوقف تنظيم المهرجان في القدس المحتلة، ولقد نجحت هذه الجهود بهذا الشأن حتى الآن، أمَّا الجهد الأخير فقد انصبَّ على عدم تمرير أي مادة إعلانية أو وثائقية من القدس المحتلة ومن المستوطنات إلى المهرجان.

إنَّ المخجِل والمؤسِف أن يُبادر اتّحاد الإذاعات الأوروبية في الأساس إلى تنظيم مهرجان مسابقة الأغنية الأوروبية في مستنقع (إسرائيل) العنصري، في دولة تحتل شعبًا آخر ودولة أخرى، وتُميِّز بين سكانها. إنَّ جمهورًا فلسطينيًّا وعربيًّا وحتى أوروبيًّا سيشعر بالظلم ويتساءَل حول القِيَم التي تؤمن بها أوروبا في كلِّ هذا الإطار!!