والحقُّ يُقال، لا تخلو بعضُ التصريحات الحمساوية، سواء أكانت على لسان ناطقين رسميين، أو مسؤولين في المكتب السياسي من "خفّة الدّم"! فمثلاً حين يقول سامي أبو زهري إنَّ قرار "فتح" تشكيل حكومة فصائلية "انعكاس لحالة السطو، وانقلاب على الديمقراطية (!!)"، فلا يسع السامع لهذا التهريج سوى القهقهة العالية، وكأنَّ قطاع غزّة المكلوم بات واحةً للديمقراطية مع سلطة "حماس" القمعية التي لا رأي فيها لغير جماعة الإخوان المسلمين!! ولا ندري من أين جاء أبو زهري بخفّة الدم هذه ليُتحِفَنا بحرصه على الديمقراطية، وخوفه من انقلاب "فتح" عليها بدعوتها تشكيل حكومة فصائلية وشخصيات وطنية مستقلة لمواجهة التحديات المصيرية الراهنة؟! ومن أين لأحد أن يُصدِّق أنَّ أبا زهري ديمقراطي إلى هذا الحد الذي يخشى فيه الانقلاب على الديمقراطية (!!)، وهو في الواقع الذي يعرفه الجميع ربيب القِيَم الإقصائية الإخوانية، وسلطتها الحمساوية، التي تدور مليشياتها في شوارع غزّة ملثمةً ومسلّحةً لقهر حُرّيّة التعبير في مهدها!! لكن مع خفّة الدَّم هذه ثمة سماجة تجعلها خفّة الحماقة بأُمِّ عينها، ومن ذلك تصريحه الذي أراده على تويتر، والذي هاجم فيه تصريحات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، لأنَّه تحدث عن خطوات مُقبِلة لاستعادة غزّة. ففي هذا التصريح يتخلَّى أبو زهري عن ديمقراطيته ليردَّ على عريقات بلغة التطاول القبيحة من دون أن يُغفِل تدبيجها بالادِّعاءات والتشكيكات الحمساوية ذاتها، فيطالب "فريق" السلطة الوطنية بـ"العمل على استعادة الضفّة من الاحتلال"، (هكذا بالنص) وامتلاك السيادة عليها قبل الحديث عن غزة "المحرَّرة"!! وقبل أن نسأل أين هو مشروع المقاومة إذًا الذي يطنطن بكلِّ الشعارات الثورجية صباح مساء، ما دام على "فريق السلطة" العمل على استعادة الضفة من الاحتلال!!! حيثُ أنَّ الأمر بالطبع ليس أمر استعادة، وإنَّما هو أمر النضال الوطني لدحر الاحتلال الإسرائيلي عن أراضي دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وهذه ملاحظة فقط ليُصحِّح
أبو زهري مفرداته، نقول قبل أن نسأل أين هو مشروع المقاومة الحمساوية إذًا، نتساءل بأيِّ مقياس واقعي وموضوعي يمكن لنا أن نرى قطاع غزّة محرَّرًا فعلاً، وتفاهمات "التهدئة" مع الاحتلال الإسرائيلي تتقدَّم كل يوم إلى مزيد من الامتثال لشروط الاحتلال ذاته!!

مسلسل تصريحات خفّة الدَّم الحمساوية الممزوجة بالسماجة طويل، ولا يعرف التوقُّف حتّى كأنَّ تاريخ "حماس" لن يعرف في النهاية غير هذا المسلسل، والذي نتذكَّر منه أيضًا أنَّه حين افتت المحكمة الدستورية بحلِّ المجلس التشريعي المعطَّل راحت التصريحات الحمساوية تولول بمزاعم حرصها على القانون والدستور!! الانقلابيون دستوريون، وهذا بالتأكيد عجب العجاب الذي لا يبعث سوى على القهقهة!! ولكم المزيد من هذه التصريحات: أحمد يوسف يصف الحكومة المقبلة أنَّها حكومة ميتة، وهي لم ترَ النور بعد!! وثمّة عبد اللطيف قانوع يقول: "حكومة "فتح" المقبِلَة إحدى خطوات أبو مازن الانفصالية لتمرير صفقة القرن"!!! وعلى ما يبدو أنَّ هذا القانوع لا يفهم شيئًا من اللغة الوطنية التي يتحدَّث بها الرئيس أبو مازن والتي أعلن بمفرداتها غير مرَّة، أنَّ صفقة القرن لن تمر لأنَّنا ضد هذه الصفقة، وسنتصدَّى لها بكل ما أوتينا من عزم وإرادة وقوّة.

ولا يفهم القانوع شيئًا من هذه اللغة الوطنية فحسب، بل إنَّه لا يفقه أيًّا من معانيها، ولن يكون بوسعه أن يفهم أو يفقه شيئًا من هذه اللغة، لأنّ التعليمات الإخوانية هي التي تملي عليه ما يجب أن يقول، وبصراحة ليس بوسعنا بعد كلّ ذلك إلّا أن نقول إنَّ خفّة الدم الحمساوية الممزوجة بالسماجة كلّها، هي خفة معيبة، وهي التي تجعلنا نتأكّد تمامًا، أنَّ شرَّ البليّة حقًّا هو ما يُضحِك.