لا يقبل وطني فلسطيني أن تكون الحكومة الفلسطينية الشرعية مجرَّد صراف آلي للانقلابيين الانفصاليين في قطاع غزة، ولا غطاءً رسميًّا يستغله أمراء ومشايخ جماعة الإخوان المسلمين فرع فلسطين المسمى (حماس) للمرور والتمركز في الإتجاهات المضادة والمعادية للمشروع الوطني الفلسطيني.

تقرر أمس سحب موظفي السلطة الوطنية من معبر رفح الحدودي كإجراء أولي، وحسب تقديراتنا الشخصية، فإنَّ التالي سيكون أشد وأقسى على حماس ومشايخها المستكبرين، المسؤولين مباشرة عن إغتيال المصالحة الفلسطينية، وخيانة المشروع الوطني، والتمرُّد على قانون الشَّعب الفلسطيني، فمعبر رفح ما كان يومًا إلّا ممرًا وطنيًا تلج فيه الحرية للوطنيين الفلسطينيين بالاتجاهين، ويجب أن يكون ممرًا آمنًا للشَّعب الفلسطيني نحو أشقائه في الدول العربية وأصدقائه في العالم.

لم يعد أمام القيادة الفلسطينية الَّتي كلَّفها المجلس المركزي بالعمل على تحقيق الوحدة الوطنية، وإستعادة غزة إلى مظلَّة الشرعيَّة والقانون والنظام الفلسطيني، إلّا الخيارات الأصعب الّتي ستقدم على إقرارها وتطبيقها، كمحاولة لردع الانقلابيين عن المضي في غيهم وضلالهم وإستكبارهم وإرهابهم وإختطافهم لقطاع غزه بساكنيه المليونين، ونعتقد في هذا المسار أنَّ أيَّة إجراءات إدارية مادية قانونية أهون بألف مليون مرة من الإندفاع نحو مربع رغبة حماس في تسييل وسفك دماء الفلسطينيين في الشوارع، فهؤلاء الذين لا يُقِرون ولا يعترفون بالوطنية الفلسطينية، ولم يلقنهم أحد معنى الشَّعب الواحد والمصير الواحد والوطن الواحد والمستقبل الواحد، ولا يعرفوا من معاني الدولة والنظام إلّا ما تركه لهم (المضللون) الذين يسمونهم ظلمًا (المرشدون) والّتي في مجملها ليست أكثر من منظومة (دولة الجماعة) حيث يختلق مشايخًا وأمراؤها نصوصًا وأحاديثًا وإسقاطها على الحالة السياسية والاجتماعية في البلاد لشرعنة سفك الدماء! على الجميع أن يعرف أنَّ هؤلاء يعتبرون سفك دماء (غير الإخوان المسلمين) عبادة يرجون منها نيل مفاتيح الجنة!

قرر الانقلابيون في غزة قطع الخيط الرفيع الأخير المتبقي من علاقة الكل الوطني معهم، واتجهوا للاحتشاد والإصطفاف في جبهة صفقة (نتنياهو وترامب) لضمان (سيولة الدولار والسولار) ووصول حقائب العمادي المليونية، وإلّا لكانوا إستجابوا لصوت الضمير الوطني الذي وصل عنان السماء في الأيام الماضية مطالبًا حماس بالكف ليس عن إستنساخ أساليب الاحتلال الإسرائيلي الإرهابية في قمع الحركة الوطنية الفلسطينية وحسب، بل في إبتداع أساليب أشد وأقسى وتطبيقها بلا أدنى إحترام للخصوصية الوطنية والمصير المشترك مع الشعب الفلسطيني، فنحن نستوعب كل أنواع وأشكال الجرائم من المحتلين والمستعمرين العنصرين، ذلك إنَّنا لا ننتظر رأفة أورحمة أو انسانية في حربه علينا، لكنَّا لا نستطيع إستيعاب نوائب ومصائب وجرائم وعنف حماس الدموي وإرهابها الغرائزي والممنهج المسلط على رقاب الوطنيين شبابًا ورجالاً ونساءً في قطاع غزة.

لم يعد مقبولاً الموقف الشبيه بموقف الصليب الأحمر! أو الرؤية بنصف عين! فمن يروج لنفسه كوطني فلسطيني، ويُنَظِّر لمبادئ وأفكار وطنية حررية وتقدمية وديمقراطية، ويطرح نفسه في الشارع الفلسطيني كجزء أصيل من الحركة الوطنية الفلسطينية، عليه تحديد موقفه بوضوح وصراحة لا يحتملان التأويل أو التفسير، فالمصالح العليا للشَّعب الفلسطيني لم تعد تحتمل المراوحة وولوج ملعب السياسة الوطنية بنفس الطريقة السائدة اليوم، لأنَّ المشروع المضاد للمشروع الوطني والوحدة الوطنية، المعادي لحركة التحرر الوطنية، يمضي بتكريس قواعده في فلسطين بدعم صريح وواضح من الاحتلال الإسرائيلي وتمويل من (مشيخات رسمية عربية) تمر ملايينه عبر جهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك).

لن نقبل بعد الآن لغة الوعظ و(الأستاذية) الإدعائية المزيفة الَّتي يمارسها البعض في طرق وعي الجمهور وكسره !! خاصة أولئك الذين يظنون أنَّهم بهذا الغطاء، والحديث الممجوج عن (المقاومة) والعدوان الإسرائيلي يعفون أنفسهم من موقف وطني تاريخي عملي تفرضه عليهم أدبياتهم، ونظرياتهم، وكتبهم ومجلاتهم وشعاراتهم الّتي لو وضعناها على الأرصفة الشوارع لطافت! فنحن مع قادتهم الأوائل، رفاقنا في الكفاح والنضال الذين بلورنا وإياهم وصقلنا مبادئ وأهداف الحركة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، لا نتمنى لهم إلّا الإستمرار في حمل رسالة الوطنية الفلسطينية، والنجاح في الإمتحان التاريخي الذي وصلنا إلى نقطة حاسمة في ممره الإجباري، ولن نقبل بأقل من درجة الإمتياز لأنَّها ستمكننا جميعًا من التوهج والتألق في حضرة الشَّعب الفلسطيني العظيم والإستمرار في نيل شرف تبوء مقدمته، للتضحية من أجل تحقيق أهدافه وثوابته.