من عاداتي السّيّئة - في عُرف هذا الزّمن - أنّني أقرأ يوميًّا فصلًا من كتابٍ أو كتابًا كاملًا. وأنا لا أقرأ كي أنام بل أقرأ لأتمتّع روحيًّا وفكريًّا وأتعلّم وأستفيد وأفهم ما يدور في العالم الكبير المترامي الأطراف وفي العالم الصّغير الذي اسمه الإنسان. وأعترف أنّ الكتاب صديقي ورفيقي وجليسي وأنيسي، وأمّا علاقتي مع سلطان العصر، معبود الشّبّان والصّبايا، فيسبوك، فغير وديّة. لي كتابي ولكم فيسبوككم.

أعاد إليّ صديقي النّديّ الإعلاميّ البارز زهير بهلول السّؤال الكبير والخطير الذي يلحّ عليّ منذ سنوات ولم أجد له جوابًا شافيًا حتّى اليوم: لماذا نحن شعب لا يقرأ؟ أيعود ذلك إلى ثقافة التّلقين والحفظ عن ظهر قلب التي توارثناها كابرًا عن كابر من حفظ القرآن الكريم والحديث الشّريف والسّير الشّعبيّة والقصائد الشّهيرة، أم السّبب هو انتشار الأميّة في مجتمعنا وبخاصّة بين عدد ممّن ينهون الدّراسة الثانويّة ولا يستطيعون كتابة أو قراءة جملة واحدة صحيحة في لغة الأم؟ وهل هي مناهج التّدريس التي لا تحبّب التّلاميذ بالأدب وبالكتاب، أم هو الفقر الذي فضّل رغيف الخبز على الكتاب، أم هو المدرّس الذي طلّق المطالعة بينونة كبرى منذ قرأ "قنديل أم هاشم" حينما كان تلميذًا في الصّف الحادي عشر، أم هي تربية الوالدين؟

يرى خصوم الكتاب من أبناء شعبنا أنّ الفيسبوك والانترنت يُغنيان عنه، وأمّا الإنسان الغربيّ فيملك الحاسوب والنّت والفيس ويرتاد دور السينما ودور الأوبرا والمسارح ويلازمه الكتاب في محطّات القطار ومحطّات الحافلات العموميّة والمطارات والمنتجعات كما أنّه الضّيف المعزّز المرغوب به في البيت.

سافرتُ قبل سنوات للاستجمام في منتجع شرم الشّيخ فوجدت السّائحين والسّائحات الرّوس والطّليان يسبحون في المياه الصّافية مثل عين الدّيك، ثمّ يستلقون على الرّمل الذّهبيّ يستحمّون بأشعّة الشّمس، وكلّ سائح وكتابه، وصدمني عدد من بنات وأبناء شعبي الذين وصلوا إلى هناك يحملون النّراجيل ويتهادون على الشّاطئ بسعادة، ولو فتّش أمن الدّولة المصريّة عن كتاب في غرفهم وحقائبهم لما عثر عليه.

يحاول بعض المتعلّمين أن يستروا جفاءهم للكتاب وهشاشة ثقافتهم بتوابل ثقافية في حديثهم فيذكرون المتنبّيّ مع أنّهم لم يقتربوا من خيله وليله وقرطاسه وقلمه، ويذكرون الدّرويش الذي لم يشمّوا نوّار لوزه ولم يلعبوا النّرد معه، ويردّدون اسم نجيب محفوظ وهم لم يتجاوزوا باب زقاق المدقّ.

قال تعالى: اقرأ. ونحن أمّة لا تقرأ.

وقال الشّاعر: خير جليس في الأنام كتاب. ونحن شعب لا نجالسه.

لماذا شعبنا لا يقرأ؟

هل هذا سؤال أم أحجية؟

ما زلتُ حتّى اليوم أبحث عن الجواب الصّحيح.

بقلم: الكاتب والأديب محمد علي طه