(قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من الوطن الفلسطيني، الذي عاصمته القدس الشرقية، وبالتالي محاربة أية محاولة لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية)

يا جماهير شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.

إن إندلاع الانتفاضة الشعبية، انتفاضة جنرالات الحجارة كما سماها مهندسها الشهيد القائد أبو جهاد خليل الوزير، يعود إلى الحادثة المؤلمة، التي سببتها شاحنة إسرائيلية، عندما صدمت سيارتين فيهما عمالٌ فلسطينيون من قطاع غزة، عند حاجز إيرز شمالي القطاع، وذلك في 8/12/1987، وأدت إلى استشهادهم. علماً ان ممارسات واجراءات الاحتلال العنصرية والقمعية كالاعتقالات، وهدم البيوت، وهيمنة الاحتلال على مختلف مصادر الطبيعة، وخاصة المياه وحرمان الشعب الفلسطيني منها، إضافة إلى إبعاد المواطنين إلى خارج الاراضي الفلسطينية، ومصادرة الاراضي واستعمارها، وإقامة المستوطنات عليها، والتي اهتمت بالثروات الزراعية لضرب الاقتصاد الفلسطيني، وتحويل العمال الفلسطينيين إلى أيدي عاملة في السوق الإسرائيلي بأجرٍ زهيد.

اندلعت الانتفاضة بسبب حالة الاحتقان تجاه الاحتلال وممارساته، وفي 9/12/1987 بدأ الحراك الشعبي في مواجهات ساخنة في اكثر من منطقة. وهذا ما جعل حركة فتح أن تبادر مع فصائل منظمة التحرير، لتشكيل القيادة الوطنية الموحدة (ق.و.م) للانتفاضة، سياسي يحمل اسم القيادة الوطنية الموحدة. وقد ظلت هذه الانتفاضة ملتزمة بشعار " لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة، صوت منظمة التحرير الفلسطينية". لقد نجحت هذه الانتفاضة بتشكيل اللجان الشعبية من مختلف الفصائل المتواجدة، ومن أصحاب الاختصاص في المجالات كافة، لإدارة الحياة الاجتماعية، والتربوية، والصحية، والنضالية بشكل عام، وذلك حرصاً منها على إستمرار الكفاح الوطني الفلسطيني. وهذه الانتفاضة بزخمها النضالي والجماهيري أعادت إلى الواجهة السياسية مركزيةَ الصراع ضد الاحتلال الصهيوني. لا شك أن المشاركة الملفتة للاهتمام من قبل المرأة في هذه الانتفاضة الشعبية، أسهم في تحريك وتسخين المواجهات اليومية، وأدى أيضاً إلى زرع بذور مقاومة الاحتلال، وهو الذي أبرز حصاده في العام 2000 حيث كانت الانتفاضة الثانية المسلَّحة، والتي انطلقت من الأقصى.

هذه الاشتباكات اليومية مع الاحتلال الصهيوني والتي استمرت منذ العام 1987 إلى العام 1993 أدت إلى إرتقاء 1204 شهيداً، واكثر من 80 ألف جريحاً إضافة إلى اكثر من مئة الف مُعتقل. الجانب الاسرائيلي قُتل من جنوده 169 إسرائيلياً على الأقل ومئات الجرحى.

لقد استطاعت انتفاضة جنرالات الحجارة أن تحدث شرخاً قوياً داخل المجتمع الاسرائيلي بسبب سياسات العنف، والقتل، وتكسير عظام الفتيات. وقد برزت أسماء مجموعات من داخل المجتمع الاسرائيلي من فريق اليسار مثل " السلام الآن"، و"هناك حدود" و " المجلس من أجل السلام والامن". كما إزداد عددُ الرافضين للخدمة العسكرية في المناطق المحتلة.

لا بد أن نذكر بأنه في الوقت الذي كانت فيه الشوارع والساحات مشتعلة بالمظاهرات والمواجهات، ونزيف الجرحى، وتكسير العظام، كانت هناك عمليات عسكرية بطولية تجري في مناطق معيَّنة، ونخصُّ بالذكر منها عمليات ديمونا في النقب في 7/3/1988، ونفَّذها ثلاثة أبطال إنتقاماً لشهداء قبرص الثلاثة، الذين اغتالهم الموساد الاسرائيلي، بعد أن نفَّذ هؤلاء الابطال عملية اغتيال المرأة، التي قادت عملية اغتيال أبو حسن سلامة في بيروت. وكانت عملية ديمونا التي خطط لها أبو جهاد رحمه الله من أبرز، وأهم، وأخطر العمليات العسكرية التي استهدفت المصنع الذري الاسرائيلي.

وعلينا اليوم أن نستذكر تفاصيل تلك الانتفاضة سواء من حيث التخطيط، وتشكيل اللجان الميدانية، والتنسيق الناجح بين الفصائل الفلسطينية، ومركزية العمل السياسي والاعلامي والعسكري، ودقة تنفيذ التعليمات، واتخاذ القرارات، والانضباط للخطط المرسومة.

ونحن اليوم بأمس الحاجة أن نأخذ الدروسَ والعبر من تلك الانتفاضة الأولى التي نجحت نجاحاً باهراً، وعرَّت الكيانَ الصهيوني أمام العالم بأسره، بأنه كيان عنصري، وارهابي يستهدف المدنيين من النساء، والأطفال، والابرباء. ونتيجة ذلك الاداء الفلسطيني الممَّيز وقف العالم كلُّه إلى جانب شعبنا ضد العدو الصهوني.

في الذكرى الواحدة والثلاثين لإندلاع الانتفاضة الأولى فإننا نؤكد مجموعة من القضايا لضمان سلامة المسيرة الوطنية الفلسطينية:

أولاً: إنَّ ما يمارسة العدو الصهيوني مدعوماً من الولايات المتحدة بارتكاب الجرائم العنصرية ضد شعبنا الفلسطيني، وممارسة كل أشكال العدوان والاستيطان، التطهير العرقي، وتهويد المقدسات، وتهجير الاهالي من بيوتهم، هذا كله يفرض على كافة القوى والاطراف الفلسطينية، التحصُّن والتوحُّد داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وتحكيم المصلحة الوطنية في الخيارات المستقبلية وبعيداً عن المحاور الاقليمية.

ثانياً: إنَّ ما يسمى صفقة العصر الصهيونية هدفها الأساس هو تصفية القضية الفلسطينية، من خلال تدمير الركائز الاساسية للمستقبل الفلسطيني خاصة إستهداف قضية اللاجئين عبر شطب الانروا، وتفتيت الصف الفلسطيني، والعبث في ساحة العمل الفلسطيني، واستكمال ما بدأه ترامب من نقل سفارة واشنطن إلى القدس، باعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني من عمليات التهويد والأسرلة، واستعمار الأراضي، وتهجير الأهالي.

ثالثاً: إنطلاقاً مما ذكرنا، وبعيداً عن المجاملات، وضرورة ملامسة الواقع المؤلم الذي نعيشه، ونُستترف يوماً، ونعيش نتيجة ذلك في دوَّامة، وتحت كابوس الضغوطات الدولية والاقليمية، هذا كله يفرض علينا الحرصَ الكامل على الأساسيات في الصراع ضد الاحتلال، واعتبار العدو الحقيقي هو العدو الصهيوني، ومن يدعمه، وهذا يتطلب الايمان الكلي، وبعيداً عن أية حسابات أو إغراءات، بأن قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من الوطن الفلسطيني، الذي عاصمته القدس الشرقية، وبالتالي محاربة أية محاولة لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهذا الفصل هو ما يخطط له العدو الصهيوني للاستفراد بالضفة الغربية والمقدسات الاسلامية والمسيحية.

رابعاً: آن الأوان أن نتذكَّر جمعياً، وبوعي وحرصٍ وطني كامل أنَّ تجاهل الوحدة الوطنية، وتجاهل تعزيزها كعامل جوهري في الصراع، سيقود حتماً إلى تدمير الساحة الفلسطينية، وتدمير أحلام ألاجيال الفلسطينية المستقبلية بعد نكبةٍ زادات على سبعين عاماً. والذي لا يمكن تجاهله أو القفز عنه في هذا المجال، هو أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والعالم كله يعترف بذلك، وتاريخ المنظمة صنعته وكتبتهُ دماء الشهداء والجرحى، وعذاباتُ الأسرى، وهذا يعني أنه لا بدائل عن م.ت.ف، ولا عنها ككيان سياسي وطني، والجميع يجب أن يحسم خياراته داخل الإطار وليس خارجه، وعلى أرضية ممارسة الشراكة الوطنية، والايمان بالتعددية، وممارسة الانتخابات على كافة أشكالها، لحسم الكثير من النقاشات الحادة، والارتقاء بمستوى الديمقراطية الفلسطينية، لتحديد الخيارات، واحترام المصالح الوطنية الفلسطينية العليا.

خامساً: نحن جميعاً نعيش على الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل العدو الصهيوني ،و الذي يسعى لإبادتنا جميعاً، لأنه لا يمكنه أن يتعايش معنا، وهذا ما عبَّر عنه الكنيست الاسرائيلي في قراره الأخير، الذي إعتبر الاراضي الفلسطينية بكاملها هي أراضي الدولة القومية اليهودية، ودعا كافة يهود العالم أن يحضروا إلى هذه الاراضي لتقرير مصيرهم.

وهذا القرار العنصري هو إصرار على تدمير كل الاحلام الفلسطينية بالعودة إلى أرضهم، واقامة دولتهم. وانطلاقاً من الواقع المؤلم والظالم نحن نطالب باعتبار هذه المناطق المحتلة من قبل العدو الصهيوني هي ساحات عمل وطني فلسطيني، سواء أكان ذلك في الضفة أم في قطاع غزة، واعتبار هذه الاراضي جبهة مواجهة بين الطرفين، الطرف الأول يجسده مجموع الفصائل الفلسطينية الموحَّدة تحت علم فلسطين. والطرف الآخر هو الاحتلال الصهيوني بكل مكوناته، وعلينا أن نتذكر بأن الشعوب عندما تتوحد تنتصر، وهذا ما أثبته التاريخ منذ ظهر الاستعمار.

سادساً: برأيي ليست هناك قضايا خلافية جوهرية بيننا إذا حَسُنت النوايا. كلنا نؤمن بمقاتلة العدو الصهيوني لأنه يشكل خطراً على وجودنا جمعياً، وعلى أرضنا، وشعبنا ومقدساتنا.

حركة فتح خاضت معارك مسلَّحة وتاريخية ضد العدو سواء أكان ذلك في معركة الكرامة، أم في اجتياح بيروت العام 1982، أم في الانتفاضة الثانية. ومن خلال تجربتنا نحن ندرك متى نستخدم السلاح بكل أشكاله، ومتى نحرِّك الجماهير في الشوراع والساحات، ونحن أمامهم لأننا نريد تحقيق الهدف بأقل الخسائر في جانبنا. وعندما تفرض علينا الضرورة أن نستخدم السلاح فنحن لها. وهذا الامر

يجب أن لا يكون مصدر خلاف مع حركة حماس أو غيرها، لأن حركة فتح صادقة في مواقفها، وهي أول ما تفكر به انما تفكِّر بعدم ايقاع الخسائر في صفوف الشعب الفلسطيني اللاجئ والمشرَّد.

والتوافق عملية سهلة إذا حسنت النوايا، والواقع هو الذي يحدِّد الآلية التي يجب أن نستخدمها في مواجهة العدو المشترك سواء أكان ذلك في المسيرات الشعبية على أطراف قطاع غزة وتحدي جنود الاحتلال. أم كان ذلك في المسيرات والمواجهات التي تتم في مختلف محافظات الضفة الغربية، وخاصة في القدس العربية حيث الاستنفار اليومي والصدام القائم بين شبابنا، وقيادتنا الحركية والوطنية ضد الاحتلال الصهيوني. ونؤكد أهمية الصمود الرائع والثبات الفلسطيني الوطني في قرية الخان الأحمر التي هي جزء لا يتجزأ من القدس، وعدم السماح بتهجير أهلها.

إننا في هذه المرحلة الخطيرة، ندعو شعبنا في كل أماكن تواجده إلى التوحُّد والتضامن في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، التي أثبتت جدارتها السياسية والوطنية، برئاسة رئيس دولة فلسطين الرئيس محمود عباس، والذي تحمَّل مسؤولياته بأمانة وإخلاص، وحقق إنتصارات تاريخية، سواء ضد الولايات المتحدة، وصفقة قرنها الصهيونية، أو ضد الاحتلال العنصري.

كما ندعو كافة الفصائل الفلسطينية إلى توحيد المواقف، وتقدير تعقيدات الظروف المحيطة بنا جميعاً، ونبحث معاً من أجل حماية شعبنا في الداخل وفي مخيمات الشتات، وتجمعات المهجر بانتظار العودة.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار

والحرية لأسرانا الأبطال الذين ينتظرون منا أن نوحِّد الصفوف

والشفاء للجرحى الذين صنعوا من دمائهم زيتاً يضيء قناديل الحرية

وإنَّها لثورة حتى النصر

حركة "فتح"- الاعلام المركزي-لبنان

٨-١٢-٢٠١٨