بيان صادر عن قيادة حركة "فتح" – لبنان – الإعلام

" مجزرة صبرا وشاتيلا هي عنوان التصفية الجسدية والوجودية للشعب الفلسطيني"


يا جماهير شعبنا الفلسطيني على امتداد أرض الوطن، وفي كلِّ بقاع الأرض، حيثُ ينتظرُ أبناءُ الشتات يوم العودة على أحرِّ من الجمر، لنصنع مستقبلنا، ونقيمَ دولتنا، ونحمي مقدّساتنا، ونصون وصايا شهدائنا، فنحن شعبٌ يستحق الحياة، لأنَّنا نكتبُ تاريخنا وحاضرنا بدماء قادتنا، وأبنائنا، وآبائنا.

في هذه الأيام (16-18) من شهر أيلول العام 1982، نستذكرُ ومعنا كلّ أبناء شعبنا الفلسطيني واللبناني مرارة وبشاعة الجريمة التي خطط لها الموساد الإسرائيلي، ونفَّذها جيش الاحتلال بقرار من وزير العدوان الصهيوني شارون، والذي قام باستخدام عصابات يمينية إجرامية محلية يقودها حبيقة.

نستذكر مخيَّمَي صبرا وشاتيلا وهمُا مخيَّمان يضمان عائلات وأسرًا فقيرة فلسطينية ولبنانية يسكن بعضهم في بيوت من صفيح.

تمَّ تنفيذ المجزرة بعد أن قامت قوات الاحتلال بفرض طوق مُحْكَم على المخيَّمَين، وقامت بإطلاق قنابل الإنارة لتسهيل دخول ووصول المجموعات الإجرامية إلى داخل المخيَّم. وفعلاً بعد وصول القتَلَة المدجَّجين بالسلاح الفردي والبلطات، والسواطير، والسيوف، والفؤوس، مارسوا عمليات القتل، والإبادة، والمجازر ضدَّ كل مَن هو حي، وفي محاولة لإخفاء الجريمة سمحت العصابات الصهيونية بدخول الجرافات لتدمير البيوت، وجرفها على رؤوس الأحياء والأموات. أمَّا المجموعات العسكرية فكانت تطارد الناجين من المجزرة، واعتقالهم وإخفائهم، وقتلهم، ودفنهم في مقابر جماعية، بدون معرفة هُوياتهم، وقد قدَّر المراقبون عدد الضحايا بحوالي ثلاثة آلاف وخمسماية شهيد، ربعهم تقريباً من اللبنانيين.

لقد كان شارون معجباً بجرأة القتلة فخاطبهم قائلاً: "إني أُهنّئكم فقد قمتُم بعمل جيّد وناجح".

إنَّ التخطيط لهذه المجزرة بدأ قبل حصولها، وكان الموساد الإسرائيلي هو المكلَّف بالعملية، وهو نفسه الذي اغتال حبيقة المتَّهم بالتنفيذ في 24/1/2002 لإخفاء مصادر المعلومات المتعلّقة بأخطر جريمة بشرية طالت الأطفال والنساء.

رغم كل تفاصيل الجريمة، ورغم انكشاف الجهات الصهيونية التي مارست القتل والإعدامات بأبشع صورها، ورغم كل الجهود السياسية والقانونية والإعلامية التي بُذِلَت، وبالدلائل المحكمة، والإدانات الدامغة، إلاَّ أنَّ الهيئات الدولية، والمحاكم الجنائية المتخصصة، ورغم انكشاف تفاصيل هذه المجزرة التاريخية التي تشهد على نازية الكيان الصهيوني، إلاَّ أنَّ أهالي صبرا وشاتيلا لم يُنصَفوا من قِبَل المجتمع الدولي، ولم يُحاكم المجرمون وهم معروفون، ودفع الأهالي من فلسطينيين ولبنانيين ثمناً غالياً من أبنائهم، ونسائهم، وشبابهم.

واستمر الصهاينة بارتكاب جرائمهم دون توقف سواء في لبنان وجنوبه، أو في قطاع غزة ومدنه، وأحيائه، ومخيماته، أو في الضفة الغربية. في القدس، والخليل، وجنين، ففي كل مسجد مجزرة، وفي كل بقعة من تراب أرضنا نزيفٌ من الدماء، ومقابر أشلاء. إنَّها مسيرةٌ من التضحيات تحمَّلها شعبنا، ودفع الأثمان، وعُلِّق أبطالُه على أعواد المشانق، وخاضوا معاركهم ضد الاستعمار والاحتلال، ولم يرفعوا رايةً بيضاء. إنَّه شعبٌ يستحقُّ الحياة.

واليوم، وفي هذه الذكرى الأليمة، ورغم كل الأحزان، والآلام، ورغم ضخامة المأساة فإنَّنا نؤكِّد القضايا التالية، ومن موقع المسؤولية التاريخية:

أولاً: إنَّ الكيان الصهيوني مدعومٌ بكل عوامل القوة من قِبَل الاستعمار، المتجسِّد بالولايات المتحدة، التي وضعت نفسها في خدمة الأهداف الصهيونية الرامية إلى تدمير تطلعات وأهداف الشعب الفلسطيني.

ثانياً: إنَّ العدوان الذي تقوده مدعومة من واشنطن، والذي يستهدف كافة مقومات وأركان القضية الوطنية الفلسطينية، إنَّما يسعى إلى تجريد الشعب الفلسطيني من حقوقه السياسية، وثوابته الوطنية، ومن أرضه التاريخية، ومن مقدساته الإسلامية والمسيحية، ومن حقه في العيش كباقي شعوب الأرض.

ثالثاً: إنَّ تاريخنا النضالي والمجيد، ومنذ فجر القرن العشرين، يؤكِّد إصرارنا على مواقعنا الوطنية، وتمسُّكنا بثوابتنا الفلسطينية، وحرصنا الدائم رغم قوافل الشهداء، ورغم نزيف الجرحى، ومعاناة الأسرى، فإنَّنا لن نساوم على حق وجودنا على أرضنا التاريخية، لأنَّ هذا الحق ملكُ للأجيال، ولقوافل الشهداء، وللمناضلين حتى تشرق شمس الحرية.

رابعاً: إنَّ حجم التضحيات التي قدمناها، وإنَّ مسلسل المجازر والحروب الذي ارتوى من دمائنا، يفرض علينا جميعاً أن نتوحَّد في إطار قيادة "م.ت.ف"، وهي البيت الفلسطيني الجامع، وضرورة إلغاء صفحة الانقسام بدون تردد، لأنَّ العدو الإسرائيلي يراهن على استمرار الانقسام.

خامساً: إنَّ المنطق السياسي والوطني يتطلب أولاً وقبل كل شيء التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثِّلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وأن القضية الفلسطينية، لها رأس واحد، وأن الوطن الفلسطيني واحدٌ وموحَّد، فلا دولة في قطاع غزة، ولا دولة بدون قطاع غزة.

سادساً: إنَّ ما يسمى صفقة القرن التي فبركها وأخرجها ترامب وفريقه الصهيوني، تستهدف قبل كل شيء القضية الفلسطينية، أرضاً، وشعباً، ومقدسات، واستقلالاً.

ولذلك هناك عنوان واحد للشعب الفلسطيني، وهو الرئيس أبو مازن، رئيس دولة فلسطين، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرر، وليس من حق أي تنظيم أو أي جهة أن تفاوض الاحتلال على طريقتها بخصوص القضايا السياسية.

سابعاً: نوجِّه التحية والتقدير للجهود الوطنية والسياسية والإعلامية التي تبذلها قيادة "م.ت.ف"، وخاصة قيادة حركة "فتح" على صعيد التعبئة الشعبية، وحشد الكوادر والفعاليات لمواجهة وإفشال المشروع الإسرائيلي الرامي إلى تهجير أهالي الخان الأحمر كمقدّمة لاستكمال مشروع (E1) الهادف إلى فصل شمال الضفة عن جنوبها.

ثامناً: نوجه التحية إلى جماهير شعبنا في قطاع غزة، ونؤكِّد أهمية المواجهات المتواصلة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونؤكد أن الشهداء الذين ارتقوا حتى اليوم، والجرحى الذين نزفوا، إنَّما هم جنود من أجل الوحدة الوطنية، وأن تضحياتهم إنَّما تستهدف رفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع، والتمسك بالقطاع جزءاً لا يتجزّأ من أرض الدولة المستقبلية في الضفة وغزة.

تاسعاً: إنَّ المجازر التي عاشها شعبنا منذ النكبة وحتى الآن، والتي دفعنا ثمنها غالياً من أرواحنا ودمائنا، يجب أن تعلِّمنا أنَّ حمايةَ مخيماتنا وتجمعاتنا في الداخل والشتات هي الضمانة الوحيدة لوقف مسلسل الجرائم، وحمايةُ أهلنا لن تتحقق إلاَّ بتجسيد الوحدة الوطنية الحقيقية التي نستند إلى استراتيجية وطنية فلسطينية موحَّدة، ملزمة لكل الأطراف، لأن فلسطين هي اكبرُ من كل تشكيلاتنا الحزبية والفصائلية، وأن نفتح الباب جمعياً وفي كل مناطق تواجدنا من أجل إجراء الانتخابات الشاملة، والنزيهة، ومن يحظى بالأغلبية هو الذي يقود المركب الفلسطيني على أرضيه الشراكة الوطنية والسياسية، وإعطاء الأولوية للمصلحة الفلسطينية العُليا.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار في جنّات النعيم

العزةُ لأسرانا البواسل، والشفاء لجرحانا الأبطال. ولتكنْ مخيَّماتنا ساحات للعمل الوطني، وأرضية خصبة لاستمرار مقاومتنا وثورتنا من أجل العودة والحُرية والاستقلال.

وإنَّها لثورة حتى النَّصر

حركة "فتح"- لبنان- الإعلام

١٥-٩-٢٠١٨