خاص مجلة القدس| العدد 349 لشهر آب 2018

مع بروز عصر الانترنت، برزَ نمطٌ جديدٌ من الإعلام عُرِفَ بالإعلام الإلكتروني أو الصحافة الإلكترونية، والذي بدأ يلقى رواجًا كبيرًا لدى مختلف شرائح المجتمع نظرًا لسهولة التعامل معه.
وعلى الرغم من الرواج الذي بدأ يلقاهُ هذا النمط الجديد إلَّا أنَّه لم يُلغِ الإعلام التقليدي، وإنَّما أضاف إليه وطوَّره، ما أدَّى إلى اندماج وسائل الإعلام المختلفة فيما بينها لتبدأ سمة العالمية تطغى على هذا النوع الجديد من الإعلام.
ولم يكن الشعب الفلسطيني بمنأى عن التطوّرات التكنولوجية، فبدأ بمواكبة عصر الصحافة الإلكترونية منذ ظهورها، وأفاد منها في خدمة القضية الفلسطينية، ونشر الانتهاكات الصهيونية التي يتعرَّض لها الشعب الفلسطيني على الدوام.
ميِّزات الإعلام الإلكتروني
يُمكن القول إنَّ للإعلام الإلكتروني عددًا من الإيجابيّات يتفوَّق فيها على الإعلام التقليدي (كالتلفزيون) والإعلام المطبوع (كالجرائد والمجلّات)، ولعلَّ أبرز هذه الميّزات هي التفاعلية، إذ أصبح بإمكان القارىء التعليق على الموضوع ومشاركة رأيه مع الآخرين بمجرَّد نشر الخبر من دون الحاجة إلى مراسَلَة الصحيفة أو التلفاز، وما يمكن أن يترتَّب على ذلك من استهلاكٍ للوقت. كما أنَّ مادة التعليق قد تتحوَّل إلى مادة للنقاش بين أصحاب الرأي وكاتب المقال أو ناشر الخبر. وهذا ما نشهده يوميًّا على مواقع التواصل الاجتماعي، فبمجرَّد نشر خبرٍ مثلاً عن الانتهاكات الصهيونية بحقِّ الفلسطينيين يتحرَّك الجيش الإلكتروني ومُؤيّدو الثورة الفلسطينية لإعادة نشر الخبر وتأكيد دعمهم للقضية الفلسطينية، وهو ما دفع العدو الصهيوني إلى التحرُّك أكثر من مرّة لمحاولة قمع الأصوات المؤيِّدة للقضية الفلسطينية إلّا أنَّ جميع محاولاته باءت بالفشل.
أمَّا الميزة الثانية لهذا الإعلام الجديد فهي سرعة الانتشار والنشر، بحيث تحوَّل العالم مع هذا النمط الجديد من الصحافة إلى ما بات يُعرَف بـ"القرية الكونية". وتكمن أهمية هذا النمط في ضمان وصول المعلومات إلى الشرائح المستهدَفَة مُخترِقًا بذلك الحواجز وأجهزة الرقابة التي كانت في السابق تحدُّ من وصول المعلومات إلى العامّة. وفي ما تقدّم، تأكيدٌ على التكاتف بين الناشطين المؤيِّدين للقضية الفلسطينية، بحيثُ لم يعد باستطاعة العدو الإسرائيلي أن يقوم بانتهاكات بحقِّ الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلَّة من دون أن تكون عدسات الناشطين له بالمرصاد، وهو ما جعل العدو الصهيوني يتراجع عن انتهاكاته في كثير من المرّات بعدما شاهد العالم الصورة الحقيقية لهذا الكيان البربري.
ويُعدُّ انخفاض مستوى الاحترافية المطلوب لإنتاج الرسالة الإعلامية بدوره من أبرز ميّزات الإعلام الجديد، إذ أصبح بإمكان أيِّ فرد من الفاعلين على الانترنت أن يُنتِج رسالةً إعلاميّةً بدون حاجة إلى التعقيدات الاحترافية اللازمة التي كانت ترافق الرسالة الإعلامية في الإعلام التقليدي، وخير مثال على ذلك هو ما يقوم به الناشطون الفلسطينيون من بثٍّ مباشرٍ للرسائل الإعلامية أثناء المظاهرات التي يُنظِّمونها احتجاجًا على الانتهاكات الصهيونية.
وسائل الإعلام الجديد وخدمتها للقضية الفلسطينية
يمكن تقسيم وسائل الإعلام الجديد إلى عدّة أقسام، ويأتي في مقدّمتها الإعلام الجديد القائم على شبكة الانترنت، أو ما بات يُعرَف بوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام القائم على الهاتف المحمول.
لقد شكَّل هذان القِسمان نقلةً نوعيةً في التعريف بالقضية الفلسطينية، فبعد أن كان نشرُ أخبار القضية الفلسطينية يخضع لأهواء وتوجّهات إدارة التحرير في الصحف والمحطّات باتت القضية الفلسطينية في ظلِّ الإعلام الجديد أغنى من أن تُعرَّف، ممَّا أكسبها تأييدًا دوليًّا قلَّ نظيره.
لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بنشر القضية الفلسطينية، وكان موقعا "تويتر" و"فيسبوك" من أكثر المنصّات التي استخدمها النشطاء الفلسطينيون للتعريف بقضيّتهم، على الرغم من الاختلاف الكبير بين المنصّتين وتحيُّز "فيسبوك" إلى جانب العدو الصهيوني في المواجهة التي كانت تدور رحاها في العالم الافتراضي.
وبعدما أيقن الناشطون أنَّ "فيسبوك" مُتحيِّز ضدَّ قضيَّتهم توجَّه عددٌ كبيرٌ منهم إلى المدوّنات للتعبير عن الظلم والقهر الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني نتيجة الاحتلال الصهيوني، وأبرز ما ميَّز هذه المنصّة هو مزجها بين المعلومات والآراء، فكانت خير وسيلة للتعبير عن هموم الشعب الفلسطيني. لقد انتشر في أوساط الشباب الفلسطيني عددٌ كبيرٌ من المدوّنات وصل بعضها إلى العالمية نظرًا إلى غزارة الانتاج الفكري لعدد كبير من الشباب الفلسطيني وقدرتهم على إيصال صوت قضيَّتهم إلى مختلف أصقاع العالم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ توجَّه النشطاء إلى الـ"ويكي" للتعريف بالقضية الفلسطينية، فبعدما عانت القضية الفلسطينية لسنوات من تهميشها من قِبَل دُور النشر العالمية إلى حدِّ أن وصل الأمر إلى تحريف وتزوير بعض الوقائع التي شهدتها الثورة الفلسطينية، جاء الـ"ويكي" لينقل وجهة النظر الفلسطينية عن الأحداث الكبرى التي عاشتها القضية الفلسطينية، وقد تكون أبرز الأمثلة على ذلك هي السِّيَر الذاتية لعُظماء الثورة الفلسطينية والعمليات الفدائية التي نفَّذها أبطال الثورة الفلسطينية، فقد أُلصِقَت بهؤلاء العديد من التُّهم التي وصلت في كثير من الأحيان إلى وصفهم بالإرهاب، لكن مع ظهور الـ"ويكي" صوَّب النُّشطاء الفلسطينيون البوصلة وأنصفوهم من خلال كتابة السِّير الذاتية للقادة والوقائع الحقيقية للعمليات الفدائية.
لقد توَّج النُّشطاء الفلسطينيون استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي بأن أقرنوا استخدامهم لمنصّاته مع استخدامهم لمجتمعات المحتوى، وأتى في مقدّمتها موقع "يوتيوب". هذا الموقع الذي يعتمد على تحميل أيِّ ملفات تتكوَّن من مقاطع فيديو على شبكة الانترنت بدون أيِّ تكلفة مالية استطاع أن يُشكِّل رافعة للقضية الفلسطينية، فانتشرت في أرجائه مقاطع فيديو تُمجِّد الثورة الفلسطينية وقادتها، وانتشرت الوثائقيّات التي تُعرِّف بالقضية الفلسطينية وأهم محطَّاتها، الأمر الذي دفع بالعدو الصهيوني إلى التبليغ عن عدد كبير من هذه المقاطع لكنَّه لم ينجح في حذفها عن موقع "يوتيوب".
القضية الفلسطينية في عصرها الذهبي
ممَّا لا شك فيه أنَّ القضية الفلسطينية تعيش عصرها الذهبي في ظلِّ الإعلام الجديد على الرغم من الـمُشَكِّكين بجدوى المواجهة الافتراضية مع العدو الصهيوني، إلَّا أن جردة سريعة لما حقَّقته القضية الفلسطينية في السنوات العشر الأخيرة يكاد يوازي ما حقَّقته هذه الثورة منذ انطلاقتها في العام 1948.
ويبقى الأمل أن تفيد هذه القضية من كلِّ ما هو جديد في الإعلام الجديد لأنَّ الحرب اليوم تحوَّلت إلى حرب دعائية افتراضية المنتصِر فيها هو مَن سيفرض سيطرته على أرض الواقع.