خاص مجلة القدس| العدد 349 لشهر آب 2018
تحقيق: مصطفى أبو حرب

على مدى 39 عامًا تمكَّنت فرقة "الفنون الشعبية الفلسطينية" من إثبات نفسها كرائدة في أداء اللوحات الشعبية الفلسطينية رقصًا وغناءً وعزفًا. ومنذُ انطلاقتها حرصت الفرقة على تعميق العلاقة بين المجتمع والفلكلور بوصفه أحد أهمّ عناصر الهُويّة الثقافية الفلسطينية وأكثرها عُرضةً لمحاولات السرقة والتهويد من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي، وعلى جعل الفنِّ الوطني أداةً تُعزِّز صمودَ وترابطَ الفلسطينيين في أماكن وجودهم كافّةً.

وانسجامًا مع رسالتها تُشارك فرقة الفنون الشعبية في مهرجان فلسطين الدولي، والذي شمل هذا العام تنظيمَ عروضٍ وورشات فنية وحلقات نقاش في عدّة مناطق داخل فلسطين وخارجها، بهدف تعزيز التواصل والترابط بين أبناء الشعب الواحد، حيثُ كان لبنان أحد محطّاتها، فكانت لمجلّة "القدس" فرصة اللقاء بالفرقة ومُنظِّمي الحفل في مخيَّم البداوي شمالي لبنان.

مهرجان فلسطين الدولي حدثٌ يُعبّر عن القضايا الوطنية
يُعدُّ مهرجان فلسطين الدولي أحد أهمِّ المهرجانات الفنيّة الفلسطينية التي تُشارك فيها فرق شعبية وفنية عالمية وعربية وفلسطينية، ويُشكِّل وسيلةً إبداعيةً للاتصال بالعالم، وكسر الحصار الذي فرضه الاحتلال على الفلسطينيين منذ عقود. وهذا العام، اختارت اللجنة التحضيرية للمهرجان شعار (70 عامًا على النكبة و70 عامًا من النضال من أجل العودة) كعنوان لنسخته التاسعة عشرة، وحول ذلك تقول مديرة مركز "الفن الشعبي" الـمُنظِّم للمهرجان إيمان حموري: "كلَّ عامٍ يُسلِّط المهرجان الضوءَ على قضية من القضايا التي تمسّ الواقع الوطني في الداخل والخارج، وقد اخترنا هذه المرّة هذا العنوان لأنَّه يُعبِّر عن الكلّ الفلسطيني في ذكرى النكبة، وتأكيدًا على أنَّ حقّ العودة هو حقٌّ مقدَّسٌ لدى شعبنا وغير قابل للتصرُّف. وما يُميِّز المهرجان هذا العام أنَّها المرَّة الأولى التي تُنظَّم فيها فعالياته خارج فلسطين، فقد انطلقنا من رام الله وبعد ذلك ذهبنا إلى حيفا، وبعدها إلى جنين، ثُمَّ إلى الأردن، فلبنان، وسنختتم المهرجان في غزّة في التاسع والعشرين من تموز، لنقول لشعبنا أنَّنا جسد واحد رغم التشتُّت الجغرافي والسياسي الذي يفرضه علينا الاحتلال، ونحن سنبقى يدًا واحدة لا يُفرِّقنا أحد".
أمَّا عن لقاء الوفد القادم من الوطن بأهالي الشتات فتقول: "نحنُ على تواصل واطّلاع دائم على أوضاع شعبنا في الشتات، وفي كلِّ مرّة نجد منهم هذه اللهفة والشوق والحنين، ولكن هذه المرّة فاضت المشاعر حتى البكاء عندما كان اللقاء ما بين شعبنا في الداخل والخارج، وهذا التواصل لم ولن ينتهي في أيِّ لحظة من اللحظات".
وتُضيف: "مشوارنا في مخيَّم البداوي تضمن زياراتٍ لمختلف مؤسّسات المجتمع المدني للاطلاع بشكل شاملٍ على أوضاع شعبنا في المخيَّمات. وقد استضفنا فرقة الفنون الشعبية في الأردن ولبنان لأنَّها خير ممثِّل لفنِّنا وثقافتنا الفلسطينية، والفرقة ستتواصل مع الشباب الفلسطيني في الشتات، وستكون لها عروض في عددٍ من المناطق اللبنانية كبيروت وصور، للتواصل كذلك مع أهلنا في لبنان".
وتختم حديثها قائلةً: "نقول لأبناء الشتات نحنُ معكم، ولن نتخلَّى عنكم، فقضية اللاجئين قضية مركزية أساسية وهي جوهر القضية الفلسطينية، ولن يستطيع أحد أن يتنازل عن حقِّ أهلنا في الشتات بالعودة بإذن الله إلى ديارهم".

الفنُّ الوطني الشعبي أحد أبرز الوسائل النضالية
تأسَّست فرقة "الفنون الشعبية الفلسطينية" عام 1979 بجهود مجموعة من الفنّانين والفنّانات المتحمّسين والواعدين، وهي من الفرق القليلة التي استمرَّت حتى يومنا هذا رغم كلِّ الظروف التي حصلت في فلسطين بفضل حفاظها على التواصل مع أبناء شعبنا في الشتات وفي داخل الوطن نفسه وَفْقَ حديث مدير أعمال الفرقة خالد قطامش لمجلّة "القدس".
وحول أهميَّة الدور الذي يُؤديه الفن الشعبي الفلسطيني يقول قطامش: "الاهتمام بالتراث ونقله إلى الجيل الجديد أمرٌ في غاية الأهميّة، فهذا التراث المتجذِّر من جذور شجر زيتون فلسطين عمره آلاف السنين، وهو يُجسِّد هُويَّتنا وحقَّنا المشروع في أرضنا التاريخية، لذا حرِص الفنّانون الفلسطينيون على نقل التراث عبر نقل التجربة الفنية الوطنية الفلسطينية، والتي وصلت إلى مراحل طليعية متقدّمةً بذلك على العديد من الدول الشرقية والغربية في الميادين كافّةً، وساهمت في كسب التأييد والتضامن مع القضية الفلسطينية والتعريف بها بشكل واسع".
وحول العلاقة ما بين الداخل الفلسطيني والشتات يقول: "بصرف النظر عن الأرض التي يسكنها فإنَّ الفلسطيني يبقى فلسطينيًّا أينما حلَّ، فاللاجئ في مخيَّم البداوي والفلسطيني على أرض الوطن يتشاركان نفسَ الهمِّ ونفس القضية، والتواصل لم ينقطع يومًا بيننا وبين فلسطينيي الشتات، وعلى المستوى الفنّي كانت الأغنيات الوطنيّة العامل المشترك الذي ربطنا جميعًا".
ويلفت قطامش إلى أنَّ فرقة الفنون الشعبية لم تسلَم من تحريض الاحتلال الإسرائيلي منذُ تأسيسها نظرًا لربطها بين مشروعها الثقافي والفنّي وتحرير فلسطين وإدراك العدو خطورة ذلك، ويردف: "النضال ذو منحى تكاملي كلُّ شخص يؤدي دوره فيه بحسب موقعه وظروفه، والثقافةُ والفنُّ من أبرز الأساليب المكمّلة لنضال شعبنا الفلسطيني على جميع الصُّعُد، وكما قال الرئيس الشهيد ياسر عرفات: (الأغنية الوطنية الفلسطينية هي توأم البندقية الفلسطينية)، والأغاني الثورية الفلسطينية كانت تبثُّ روح الثورة في قلوب الثُّوار وما زالت حتى يومنا هذا".

هدَفُنا تعزيزُ التواصل بين الفلسطينيين ودعمُ صمودِهم
انتسبت رحى قطامش (15 عامًا) إلى فرقة الفنون الشعبية منذُ عامَين مُحقِّقةً بذلك حلمًا راوَدَها منذُ نعومة أظفارها. ولكنَّ الفنَّ الشعبي الوطني لم يكن بالنسبة لها مجرَّد هواية تطمح لممارستها، وإنَّما رسالة هادفة أهمّ ركائزها تعزيز التواصل الفلسطيني، حيثُ تقول: "صحيحٌ أنَّنا نعيش في الوطن المحتل، ولكنَّ قضايا وهموم شعبنا في الشتات والخارج دائمة الحضور في أذهاننا وأحاديثنا، وهدفنا مشترَك وهو أن يتحرَّر وطننا من الاحتلال ويعود اللاجئون إلى ديارهم، ولتحقيق ذلك لا بدَّ من النضال بكلِّ الوسائل المتاحة ومن بينها الفنّ الوطني بجميع أنواعه، ولا سيما الأغنيات الوطنيّة المتجذِّرة في وعينا ووجداننا والتي تربطنا بالوطن والأرض أكثر، وتعزّز صمود المهجّرين منه".
وتضيف: "خلال زيارتنا لمخيَّم البداوي لـمَسنا حجمَ الإصرار والعزيمة والتمسُّك بالعودة إلى الوطن لدى أهلنا اللاجئين رغم عذابات ومرارة الشتات والغربة واللجوء اليوميّة التي يُعانونها، وأملُنا بالله كبير بأن تتحقَّق عودتهم الميمونة، فلن يضيعَ حقٌّ وراءَه مُطالِب".
من جهته، يُشير مُنسِّق المشاريع في الفرقة، والمنتسِب إليها منذُ العام 2006، أنس أبو عون إلى أنَّ فكرة شمول مخيَّمات الشتات هذا العام بفعاليات المهرجان لم تكن وليدة الصدفة وإنَّما جاءت بعد دراسة وتخطيط. ويوضح: "في السابق درَّبنا 14 فرقة دبكة في مختلف المخيَّمات، ووجدنا حينها إقبالاً كثيفًا على تعلُّم الدبكة الفلسطينية مدفوعًا بالعاطفة والحنين للوطن والشغف، فرغبنا في إعادة هذه التجربة، لا سيما أنَّنا على تواصل مع العديد من الجهات داخل المخيَّمات، وقد تواصلنا مع مؤسَّسات فلسطينية ولبنانية، وكان هدفنا الأساسي هو أن نربط الفلسطيني بذاته، وهذا أهم ارتباط، وأن نُعزِّز التواصل بين كلِّ شرائح شعبنا في الداخل والخارج".
ويختم كلامه بالقول: "مشروعنا كبير، وقضيّتنا قضية وطنية إنسانية ذات بُعدٍ عالمي، وشعبنا لديه الطاقة الكافية ليكمل المشوار، وما هذه الظروف الصعبة والتحدّيات إلّا غيمة صيف ستمرُّ بإذن الله، لتبزغ شمس الحُريّة والاستقلال".