خاص مجلة القدس| العدد 349 لشهر آب 2018
تقرير: وسام خليفة

تُواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي الضغط والعمل لإفراغ القدس ومحيطها من أهلها، بغية تحقيق حلمها بتنفيذ مشروع "القدس الكبرى" وقتل أيِّ فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية مُنتهِجَةً شتَّى الوسائل، وأبرزها استهداف التجمُّعات البدوية بمحاولات الهدم والإخلاء القسري.

ويُعاني تجمُّع الخان الأحمر تحديدًا الأَمَرَّين منذُ سنوات جرَّاء مُخطَّط الاحتلال، إذ باتت مُعظَم المساكن فيه مُهدَّدَةً بالهدم خاصَّةً بعد مصادقة "المحكمة العُليا الإسرائيلية" نهاية شهر أيّار الماضي على قرار بهدمه.
وتمهيدًا لهدمِ التجمُّع أقدمَت قوات الاحتلال الإسرائيلي على اقتحامه والاعتداء على المتضامنين المرابطين فيه الذين تصدوا بصدورهم العارية لجرَّافات الاحتلال ما أدَّى إلى إصابة العديد منهم.
حياة صعبة ومحاولات تهجير مُستمرّة
بذريعةِ شقِّ طُرُقٍ تمرُّ من خلاله، أقدمَ الاحتلال الإسرائيلي على اقتحام الخان الأحمر ليلاً والاعتداء بالضرب على الموجودين فيه. وفي هذا السياق يقول أمين سر حركة "فتح" في عرب الجهالين "أبو عماد" في حديثٍ لمجلة "القدس": "يُنَفِّذ الاحتلال الإسرائيلي حاليًّا عمليّةَ توسيع للشوارع التّرابية المحيطة بالتجمُّع لتهيئة دخول الشاحنات الكبيرة والجرَّافات تمهيدًا لبدء عملية هدمه وتهجير سُكّانه من بيوتهم إلى مناطق أخرى حدَّدها الاحتلال مُسبَقًا ضمن مُخطَّط لتهجير البدو من المناطق المحيطة بالقدس. وقد فُوجِئنا منذُ نحو أسبوعين باقتحام قوات الاحتلال التجمُّع ليلاً، فتصدَّى أهالي الخان الأحمر والمتضامنون فيه لآليّات الاحتلال وجنوده الذين قمعوهم بعنف، ما أدَّى لاعتقال 6 وإصابة 11 منّا. ولا نبالغ إن قُلنا إنَّ هذه الأحداث ومحاولات التهجير باتت روتينًا يوميًّا نواجهه كعرب الجهالين، وكبدو بشكل عام، مقرونةً بالممارسات الوحشية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحقِّنا، ولكنَّنا مع ذلك نؤكِّد أنَّنا لن نبرح مكاننا وسنبقى صامدين في تجمُّع الخان الأحمر كبدو الجهالين، ولن نخرج منه وإن هدموه، وحتى لو استخدموا القوّة لتهجيرنا فسنعودُ إلى الخان الأحمر لأنَّنا لن نسمح بنكبة ثانية وتهجير ثانٍ لنا".
ويوضح "أبو عماد" أنَّ البدو يواجهون العديد من الصعوبات في حياتهم اليومية، حيثُ يعمَدُ الاحتلال إلى إغلاق المناطق التي يعيشون فيها وحصارها بذريعة أنَّها مناطق عسكرية مُغلَقة مُضيفًا: "لا يُهمُّنا الطعام ولا الشراب، وإنَّما نحتاج مَن يدعمنا، لذا نُناشد الكلَّ الفلسطيني أن يقفوا إلى جانبنا ويُساندونا خاصّةً في هذه الأيام العصيبة".
ويتابع: "الآن يوجد أمرٌ احترازي من محكمة العدل العُليا الإسرائيلية بمنع أيِّ عملية هدم للتجمُّع حتى تاريخ 11/8/2018، ولا نعلم ما سيُقرِّره الاحتلال، ولكن عند بوابة القدس قاموا بإزالة كرفانات متنقّلة وتهيئة البنى التحتية، وفي الخان الأحمر يستكملون فتح الطرق بشكل يومي، وهذه المؤشّرات تدلُّ على أنَّ عملية اقتحام الخان الأحمر وتهجير أهله باتت قاب قوسَين أو أدنى".
وبحسب حديث "أبو عماد" لـ"القدس" فإنَّ مُخطَّط تهجير عرب الجهالين الثاني كان قد بدأ منذ العام 1998 وامتدَّ إلى العام 2000، حيثُ هُجِّرَت 250 عائلة، في حين اقتصرت إجراءات الاحتلال بعد العام 2000 على تنفيذ عمليات هدم مع إبقاء السكان في أماكنهم، ليشرع بتنفيذ مخطَّط التهجير القسري بشكل واسع ومكثَّف بعد قرار محكمة العدل العُليا الإسرائيلية والقاضي بهدم التجمُّع.
ويُردف: "إثر النكبة هجَّرَنا الاحتلال الإسرائيلي، ولن نسمح بتمرير نكبة جديدة بحقِّنا، ولن نسمح بتمرير مخطَّط (E1)، الذي يندرج ضمن "صفقة القرن"، وهو مُخطَّط "القدس الكبرى" الذي يهدف الاحتلال من خلاله لربط القدس بالمستوطنات المحيطة بها وطرد البدو الذين يعيشون في حدود القدس من مكان سكنهم، ولكنَّنا جميعًا نُؤكِّد يوميًّا صمودَنا وثباتَنا في أرضنا".
تهجير البدو له تداعيات اقتصاديّة واجتماعيّة وجغرافيّة
يرى مدير دائرة العمل الشعبي ودعم الصمود في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الناشط عبدالله أبو رحمة في تهجير عرب الجهالين والبدو بشكل عام خطورةً كبيرةً وتحديدًا بالنسبة لعشيرة الداهوك التي تسكن هذه المنطقة، ويُضيف مُوضحًا: "تعتاش عشيرة الداهوك على رعي المواشي، وفي حال نقلهم للسكن في قرى أو تجمُّعات سكنية ريفية لن يكونوا عندها قادرين على مزاولة الرعي، وبالتالي سيبيعون مواشيهم ممَّا سيتسبَّب بارتفاع نسبة البطالة وانتشار المشكلات الاجتماعية، إضافةً إلى أنَّ هذا التهجير سيكون مقدِّمةً لتهجير 46 تجمُّعًا بدويًّا في المنطقة من بادية شرق القدس حتى محيط أريحا، أي قرابة 12 ألف نسمة. من جهة أخرى، فإنَّ تهجير البدو سيجعل من هذه المناطق مناطق نفوذ للمستوطنات، ممَّا سيمنع الفلسطينيين من التحرُّك فيها أو الاقتراب منها، وسيؤدِّي لعزل شمال الضفة عن جنوبها، وبالتالي فإنَّ تهجير البدو سيؤثِّر اقتصاديًّا واجتماعيًّا وجغرافيًّا على الفلسطينيين، ونحن نؤكِّد رفض هذه الجريمة التهجيرية".
ويتابع: "كهيئة مقاومة الجدار والاستيطان ندعم البدو بشكل دائم، وقد قمنا تضامنًا مع أهالي الخان الأحمر بنصب خيمة لنبقى معهم وندعمهم، ومن مكان وجودي في الخيمة، التي تمتلئ بمئات المتضامنين والمواطنين والوزارات والهيئات وجميع أطياف الشعب الفلسطيني، حضرنا لنؤكِّد حقَّ البدو في تقرير مكان سكنهم، والجهود متكاثفة على الصعيد الرسمي والشعبي والدولي من الأصدقاء، سواء أكان على مستوى الدعم المعنوي أو المادي، لتأمين احتياجات الخان الأحمر، حتى أنَّنا جعلنا القناصل والوفود الرسمية يزورون الخان الأحمر ليروا مأساة السكان بأنفسهم، وهذا يدلُّ على حجم الاهتمام الذي تحظى به القضية".
ويعرِض أبو رحمة إلى معاناة أهالي الخان الأحمر، والبدو بشكل عام، إذ يواجهون العديد من التحديات في توفير الكهرباء والماء واحتياجاتهم الأخرى جرّاء العوائق التي يفرضها الاحتلال ليرغمهم على الهجرة، ويؤكِّد أنَّ "توفير احتياجات أهالي الخان الأحمر ودعم صمودهم هو الطريقة التي ستُبقيهم يحرسون الأرض من الاحتلال كونهم يسكنون أراضٍ مهمّةً جدّا لنا كفلسطينيين".
تهجير البدو عائق أمام إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيًّا
وصفَ عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" حسن فرج اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي على تجمُّع الخان الأحمر بالهَمَجي والوحشي مؤكِّدًا أنَّ أفعالاً كهذه ليست بالغريبة على الاحتلال الذي لا تزال جرائمه مستمرّةً منذ سبعين عامًا.
وقال: "ما حدث في الخان الأحمر يُظهِر الوجه البشع والحقيقي للاحتلال، والذي يحاول أن يُخفيه. كلُّ ما فعلناهُ هو الاحتجاج سِلميًّا بالوقوف أمام الجرَّافات التي أحضرها جيش الاحتلال لشقِّ الطرق في محيط الخان الأحمر تمهيدًا لاقتحامه وتهجير أهله، إلّا أنَّ قوات الاحتلال اعتدت بكلِّ وحشية وهمجية على الأطفال والنساء والشيوخ، وما زال الحصار مُطبقًا على التجمُّع، وهو يشتدُّ يومًا بعد يوم. كما وضع الاحتلال بوّابات جديدة عند حدود الخان الأحمر، وهذه سياسات احتلالية لثني أبناء شعبنا عن القدوم ودعم أهلنا في التجمُّع وفي كلِّ المناطق المهدَّدة بالمصادرة والتهجير".
ويُؤكِّد فرج أنَّ المناطق التي يسكنها البدو، وخاصّةً الخان الأحمر، ذات أهميّة استراتيجية عالية كونها تقع في محيط مدينة القدس وتُمثِّل البوابة الشرقية للعاصمة الأبدية لدولة فلسطين، وهي أيضًا المنطقة الواصلة بين شرق القدس ومنطقة الأغوار مُنوِّهًا إلى أنَّ أهميّتها تكمنُ في وقوعها في منتصف الضفة الغربية، أي أنَّه في حال السيطرة عليها بشكل كامل لن يكون هناك إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مُتواصلة جغرافيًّا على الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
ويُضيف: "نحنُ نُطالب ونُؤكِّد دائمًا ضرورةَ تطبيق القرارات الخاصة بحقِّ العودة والشرعية الدولية، ولكنّ الاحتلال ما زال يعمل منذُ 70 عامًا على تهجير جديد ونكبة جديدة للفلسطينيين، وهي سياسة احتلالية معروفة لتفريغ أكبر مساحة من الأراضي من الفلسطينيين، وهذا المخطَّط لا يقتصر على أراضي عام 1967 فقط، وإنَّما يشمل أيضًا الأراضي المحتلة عام 1948، فهناك سياسات مماثلة في العراقيب وأم الحيران والقلنسوة، وقد أُصدِرَت أوامر وإخطارات بالهدم ومنع البناء، وهذه السياسات الاحتلالية تتركَّز في مدينة القدس تحديدًا ضمن مشروع (E1) الاحتلالي لتوسيع "القدس الكبرى" على حساب التجمُّعات البدوية في المنطقة، وربط المستوطنات بالقدس لزيادة مساحة القدس، وهذه الخطوة مهمّة لـ(إسرائيل) لأنَّها تُنهي أيَّ أملٍ بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967، لذا يجب على العالم الآن أن يقف ويدافع عن قراراته، وكشعب فلسطيني علينا تفعيل خيار المقاومة الشعبية بشكل أكبر، وتكثيف نشاطاتنا، وتعميم هذا النموذج على الأرض الفلسطينية دون الاكتفاء بمناطق محدَّدة".
دعم البدو مهمٌّ في مسيرة النضال الفلسطيني
يُؤكِّد فرج أنَّ إعلان وزارة الحكم المحلّي لتجمُّع الخان الأحمر كهيئة محليّة خطوة مهمّة جدًّا للتصدّي للعدوان على التجمُّع ومؤشِّر على الاهتمام الرسمي الحكومي بمنع الاحتلال من تهجير الأهالي، ويضيف: "إنَّ أخطر ما في الأمر أنَّ تهجير البدو من الخان الأحمر هو مرحلة من مخطَّطهم، وإذا نجحوا فسيستمرون في الاستيطان وطرد البدو في المناطق التالية، لذلك صمود أهالي الخان الأحمر ودعمهم وتكاتف الكلّ الفلسطيني حولهم هي عوامل أساسية في غاية الأهمية لإعاقة التمدُّد الاستيطاني ولإسقاط مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المسمَّى بـ(صفقة القرن)".
ويختم حسن كلامه قائلاً: "إذا كان الاحتلال يعدُّ التجمعات البدوية تجمّعاتٍ عشوائيةً سهل عليه إفراغها، فإنَّنا نقول له إنَّ هذه أرضنا، لن نخرج منها، وحقّنا أن نسكن حيثما كنّا، وسندعم صمود هذه التجمُّعات في وجه أيِّ محاولةٍ لهدمها أو تهجير أهلها".