خاص مجلة "القدس" العدد 346 نيسان 2018
تحقيق: وليد درباس

وقفَت الفلسطينياتُ إلى جانب الرجال في شتّى ميادين الكفاح الوطني، فواكبن مسيرةَ الحُريّة والاستقلال والبناء المجتمعي، ولم يبخلن في البذل والعطاء، ولهنَّ في السياق إيّاه حكايات وهُموم ومواقف تُحترَم. وإذ تَفتَحُ مجلة "القدس" صفحاتها أمامهن وتلتقي ثُلّةً منهن فهي إنَّما تُعبِّر عن عِرفانها وتقديرها لدور ومسؤوليات الفلسطينيات عمومًا، والفتحاويّات خصوصًا، وتتوجَّه إليهنّ في "يوم المرأة العالمي" بخالصِ التّحية والتّقدير.

رجـاء شبايطـة "أُم عـامـر": دورُ المرأة يغيب في السِّلم ويظهر في الحرب
عرفَت عذابات اللجوء منذ ولادتها في مخيَّم عين الحلوة، ومنذ طفولتها شهدت اجتماع والدها وأقاربها في بيتهم للتدرُّب على السِّلاح، وسمعت عن شهيد معركة عيلبون عطا دحابرة ابن المخيَّم. تلك المحطّات استفزَّت مشاعر رجاء شبايطة "أُم عامر" وأيقظت نقمتها الثورية، على حدِّ تعبيرها.
انتسَبَت شبايطة أثناء دراستها الجامعية عام 1976 إلى "الاتحاد العام لطلبة فلسطين"، ما عزَّز قُدراتها وانفتاحها واستعدادها للعمل الثوري، وتجلَّى ذلك بصورةٍ أكبرَ إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، ودخول جنود الاحتلال إلى عين الحلوة، حيث اعتُقِلَ المئاتُ من شُبّانه، وهُجِّـر العشراتُ من أهله. آنذاك وقعت على كاهل الفلسطينيات اللواتي بقينَ أعباء ومسؤوليات كفاحية، فكـنَّ، وشبايطة منهنّ، صِلةَ وصلٍ بين المجموعات القتالية التي اختفت في المخيَّم، وعملن على رصد حركة العدو الإسرائيلي ونقل المعلومات للفدائيين بأمانة، وتشبَّثن بالمخيَّم والحياة فيه رغم صعوبتها خوفًا من استباحته أو إلغائه من الوجود.
وانتظمت رجاء بعد الانسحاب الإسرائيلي في الأطر الحركية الفتحاوية، وتدرَّجت في المراتب التنظيمية حتّى أصبحت اليوم مسؤولة المكتب الحركي للمرأة في عين الحلوة، إضافةً إلى عضويتها في اللجان الشعبية و"الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" في منطقة صيدا.
وعن مكانة المرأة ومشاركتها في تحمُّل المسؤوليات تقول: "حِملُ المرأة كبيـر، لديها مسؤولياتٌ تجاه أُسرتها الصغيرة وواجباتٌ تجاه مجتمعها، إضافةً إلى مسؤوليات العمل الوطني النضالي، ولكنَّها نجحت في المحافظة على النسيج المجتمعي والهُويّة الوطنية، وأدَّت واجبات ومهمّات نضالية وعسكرية متنوِّعة".
وتتساءل "أم عامر": "لمصلحة مـَن يجري تغييبُ دور المرأة في حالات السِّلم، وحصرُهُ بحـدود العمل الاجتماعي وبحدود ضيّقة في العمل السياسي، في وقت تُزال الموانع من أمامها خلال أوقات الحرب والمواجهة مع العدو الإسرائيلي".
وتُضيف: "بالرّغـم من وصول المرأة في حركة "فتح" لمراتب متقدّمة على مستوى اللجنة المركزية والمجلس الثوري ولجان الأقاليم والمناطق، فـما زال حقها منقوصًا، بسبب غلبة السِّمة الذكورية في عموم المجتمع، علمًا أنَّ الشهيد الرّمز الرئيس ياسر عرفات أقرَّ كوتا نسائية بنسبة 20%، ورفَعَها فخامة الرئيس محمود عبّاس مشكورًا إلى 30%".
"منى نضر "أم محمود": هناك انتقاصٌ من حقوق المرأة
وُلِدَت في العام 1957 لأُسرةٍ لبنانيّةٍ صيداويّةٍ تمتهنُ بيع السَّمك، وكان والدها من رجالات القوميين العرب، وصديقَ المناضل القومي "معروف سعـد". حديثُ الصديقين المتتالي في بيتهم وخاصّةً حول فلسطين وياسر عرفات شـدَّهـا، ما شكَّل لديها ولـعًا بالثورة وبـ"أبو عمار"، فكانت بمجرَّد أن تسمعَ عن شهيدٍ أو تَظاهُرَةٍ لفلسطين تخرجُ من مدرسـة البنات التكميلية في صيدا للمشاركة، على حدِّ قولها.
وتروي نضر حكايتها فتقول: "في العام 1967 تزوجتُ من فلسطيني وسكنت في عين الحلوة، ولأنَّني عشتُ بين الفدائيين قبلتُ بكل رضا التخلّي عن الرغـد في بيت أهلي.. ورغم تعرُّض عين الحلوة لقصف طيران العدو الإسرائيلي لم أتركه، وما زلت أقطنُهُ رغم الأحداث الأمنية حاليًّا".
التحاقُ زوجها وسِلْفها بـالثورة، ثُمَّ استشهاد سِلْفها صالح عباس في صفوف الجبهة الديموقراطية، أبقى جذوة الثورة مشتعلةً داخلها. وبعد العام 1982 التحقت بحركة "فتح". وبحكم جنسيّتها اللبنانية كانت تنقلُ المعلومات مابين القيادة الفلسطينية في تعلبايا في البقاع وبيروت وصيدا. كما التحقت منى بعدّة دورات سياسية، وتولَّت عدة مهام تنظيمية وعسكرية، وتنقَّلت بالعمل ما بين (مديرية اللوازم العامة، والخدمات الطبية، والإعلام، ومكتب المرأة الحركي، والشؤون الاجتماعية، والعمل الاجتماعي والنقابي في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ولجنة المتابعة اللبنانية – الفلسطينية)، وتتولَّى منذ 19 عامًا مهمة المسؤولة الإدارية في جمعية "الرعاية والتنمية الأسرية" التابعة لحركة "فتح" على مستوى لبنان.
وعن دور المرأة تقول: "لا شكَّ أنَّ الوسط النسائي اللبناني يضمُّ مناضلاتٍ مميّزات، إلّا أنَّ الفلسطينيات علَّمنني الإصرار، والمثابرة، والصبر، والقناعة وحُبَّ الحياة. ولكن برغم تمتُّع المرأة الفلسطينية اليوم بفسحة من الحقوق وكون الغلبة لها في العمل المؤسّساتي، لكنَّ حقوقها منتقصَة على المستوى الحركي. فنحن نسمع بالقول إشادةً وتشجيعًا من الرجال، ولكن على أرض الواقع النساء مُحارَبَات، والدليل أنَّ الكوتا النسائية أُقرَّت بنسبة 30% في الحركة، ولكنَّنا لم نُعطَ حقَّنا كاملاً"، وتتساءَل: "حتى الحركيات اللواتي يصلن لمراتب قيادية ما هي حدود قدراتهن على التغيير طالما أنَّ الأغلبية من الجنس الآخر؟! نعـم، التربية الذكورية ما زالت السِّمَةَ الغالبة في مجتمعاتنا".
زهرة محمـد: على المرأة تطوير قدراتها ومهاراتها للوصول إلى أهدافها
أبصرَت زهرة النور عام 1966 في أسرةٍ لم تكتفِ النكبة بلجوئها إلى بلدة مارون الراس جنوب لبنان، بل استمرَّت تتقاذفهم في أنحاء لبنان الأربع بدءًا بمخيَّم الجليل ومرورًا بمدينة صيدا وضواحيها، فضواحي مدينة صور وصولاً إلى مخيَّم الرشيدية، ثُمَّ اللجوء النهائي في مخيَّم البص.
اكتسب والدها مهنة تربية النحل من ذويه ومارسها ليعيل أُسرته، المكوَّنة من ثماني بنات وابنين. التحق بركب "فتح" وتنقَّل بعمله ما بين "القطاع الأوسط، واللوازم، ومنطقة صور، وعين الحلوة". التحقت زهرة بأشبال "فتح"، ثُمَّ انتسبت للفرقة الكشفية الحركية بمرتبة قائدة كشفية. وفي العام 1982 انضمَت كطالبة بمدرسة "الاتحاد" في صور للمكتب الطلابي الحركي. وعن دورها ونشاطه في ذلك الوقت تقول: "كنا نوزِّع المناشير ضد الاحتلال الإسرائيلي وعملائه، وأذكرُ دخول قوات الاحتلال واعتقالها عددًا من طلاب المدرسة بتهمة توزيع المناشير"، وتُضيف: "بحكم أنَّ النساء بعيداتٌ عن الشبهة، كان شقيقي الفتحاوي عبداللطيف، يُكلِّفني بنقل أشياء لأشخاص بين صيدا وصور، وعملت صِلة وصل لنقل المعلومات بين الحركيين في البقاع وصيدا وصور، وأذكر أنَّني كُلِّفتُ بحمل (إشعارات تنقّل) ممهورة بخاتم الحاكم العسكري الإسرائيلي، زُوِّرَت بالبقاع بهدف تجهيز الحركيين لنفيذ العمليات ضد الاسرائيليين تحت اسم المقاومة الوطنية اللبنانية. وفي العام 1984 استشهد شقيقي الرائد عبداللطيف بعملية نقل صواريخ لعملية ضرب مقر الحاكم العسكري في صور، فعملتُ مربيةً في روضة البريج في مخيَّم البص بهدف إعانة أهلي، وكنتُ عضوًا في المكتب الحركي للمرأة والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ثُمَّ عملتُ في جهاز الإدارة المالية، ولاحقًا في الإدارة العسكرية، وهيئة العمل الوطني".
وبتوجيهٍ من رئيسة "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" – فرع لبنان آمنة جبريل، طوَّرت زهرة مهاراتها، واكتسبت المعرفة والخبرة من خلال دورات في إدارة المكتبات، والتربية الحضانية، وعلم النفس، والإخراج والتحرير الصحفي، والمحاسبة وإدارة الأعمال، وأضحت مدرِّبة مهارات حياتية، وهي اليوم مدرِّبة في برنامج مناهضة العنف ضدَّ المرأة وتمكين النساء في العمل السياسي والحياة العامة، وعضو مكتب تنفيذي في "اتحاد نقابات عُمّال فلسطين" فرع لبنان، ورئيسة دائرة المرأة العاملة، وعضو المكتب حركي للمرأة في منطقة صور.
وتنظر زهرة إلى المرأة الفلسطينية كـ"شريكة تتحمَّل المسؤوليات، ولها حضورٌ متنامٍ في المؤسسات والجمعيات والأُطر التنظيمية داخل حركة "فتح" و"م.ت.ف."، لكنَّها لم تتمكَّن من صنع القرار، والمطلوب أن تعمل على تطوير قدراتها وزيادة معرفتها وخبرتها للوصول إلى أهدافها".
ماجدة العريض: العادات والتقاليد تحول دون مشاركة المرأة في صنع القرار
وُلِدَت ماجدة وترعرعت في عائلة فلسطينية كادحة في مخيَّم الرشيدية يسودها مناخ كفاحي وطني، فالتحقت بدايةً بمؤسسة صامد، ثُمَّ نالت عضوية مكتب المرأة الحركي و"الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية"، واتحاد عُمّال فلسطين، ولجنة برنامج القروض في "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية"، وتنشط اليوم في المخيمات الفلسطينية في صور من خلال العمل الاجتماعي حيث عَمِلَت في برنامج سنابل للمسنين في مخيَّم الرشيدية، وقدَّمت الخدمات الإغاثية خلال حرب تموز، وقدَّمت المساعدات للمهجّرين من سوريا.
وحول رؤيتها للدور الذي تؤديه المرأة تقول: "مشاركة المرأة مهمّة وضرورية في مجالات ومناحي الحياة الاجتماعية، والوطنية، والسياسية، وهي منذ البدايات الأولى للعمل الوطني كانت شريكة ونظيرة الرجل في العمل والتفاني، من جمع ونقل المعلومات، ونقل الأسلحة للمواقع في الجبهات العسكرية، والشهيدة دلال المغربي خير مثال على ذلك"، وتضيف: "تنامى دور المرأة مؤخَّرًا وبات الالتفات لحقوقها يأخذ مجراه مقارنة بالماضي، ومقتضيات تمكينها وتعزيز دورها ومكانتها باتساع، ورغم ذلك ما زالت مشاركتها ضعيفة ولاتستطيع الوصول إلى المراتب العليا، وتعيقها العادات والتقاليد والظروف المعيشية، وتحول دون تمكينها من المشاركة بجدارة في صنع القرار".